فيها لنقلها عنها بعد ذلك ، فإنه وأشباهه هتك للمساجد عرفاً والهتك محرم كما مرّ وإنما الكلام فيما إذا لم يستلزم إدخال النجاسة في المسجد هتكه ولا تنجسه ، كما إذا جعل مقداراً من الدم أو البول في قارورة وسدّ رأسها ووضعها في جيبه حتى دخل المسجد فهل يحكم بحرمة إدخال النجاسة حينئذ؟
نسب القول بذلك إلى المشهور واستدل عليها بوجهين : أحدهما : النبوي « جنِّبوا مساجدكم النجاسة » (١) لأنّ إدخال النجاسة فيها ينافي التجنب المأمور به. ويرد عليه أوّلاً : أنّ الرواية نبويّة ضعيفة السند كما أشرنا إليه سابقاً ، ولم يعمل المشهور بها حتى يتوهم انجبار ضعفها بذلك ، لأنّ كثيراً ممن ذهب إلى حرمة إدخال النجاسة في المسجد حمل المساجد في الرواية على مسجد الجبهة. وثانياً : أن الرواية قاصرة الدلالة على المدعى لأن النجاسة لها معنيان : أحدهما : الأعيان النجسة لصحة إطلاقها عليها من باب قولنا : زيد عدل ، فيقال : النجاسات اثنتا عشرة البول والغائط وهكذا. وثانيهما : المعنى المصدري وهو الوصف القائم بالجسم. والاستدلال بها إنما يتم فيما إذا كان للرواية ظهور في إرادة المعنى الأول ليكون معناها : جنبوا مساجدكم البول والدم وغيرهما من الأعيان النجسة ، ودون إثبات ذلك خرط القتاد ، حيث لا نرى في الرواية ظهوراً عرفياً في ذلك بوجه. ومن المحتمل أن يكون النجاسة بمعناها المصدري ومعه تدل على حرمة تنجيس المساجد ، وقد مرّ أنها مما لا تردد فيه بل هو أجنبي عما نحن بصدده أعني حرمة إدخال النجاسة في المسجد فيما إذا لم يستلزم هتكه ولا تنجيسه.
وثانيهما : قوله تعالى ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ) (٢) لأنّ الآية المباركة فرّعت حرمة قرب المشركين من المسجد الحرام على نجاستهم ، فظاهرها أن النجس لا يجوز أن يقرب المسجد ويدخله ، فكأنه عزّ من قائل قال : المشركون نجس وكل نجس لا يدخل المسجد الحرام ، وإذا ثبت حرمة إدخال النجاسة في
__________________
(١) قدّمنا مصدرها في ص ٢٤٤.
(٢) التوبة ٩ : ٢٨.