ثيابه بغير دم الجروح والقروح هذا.
ثم لو سلمنا أنّ النجس في الآية المباركة بمعناه المصطلح عليه فلا مناص من تخصيص ذلك بالمشركين ولا يسعنا التعدي عنهم إلى بقية النجاسات ، وذلك لأن قذارة الشرك أشد وآكد من سائر القذارات ، إذ الشرك يقذّر الأرواح والأجسام فهو من أعلى مصاديق النجس ، بحيث لو تجسمت النجاسة في الخارج لكانت هو الشرك بعينه ، فاذا حكمنا على تلك القذارة بحكم فكيف يسعنا التعدي عنها إلى غيرها مما هو أدون من الشرك بمراتب. وتوضيح ذلك :
أن النجس مصدر نجس فيقال : نجس ينجس نجساً وله إطلاقان : فقد يطلق ويراد منه معناه الاشتقاقي وهو بهذا المعنى يصح إطلاقه على الأعيان النجسة فيقال : البول نجس أي حامل لنجاسته فهو نجس أي قذر بمعنى الفاعل أو الصفة المشبهة ، والنجس في الآية المباركة لو كان بهذا المعنى الاشتقاقي أمكننا أن نتعدى من المشركين إلى سائر الأعيان النجسة ، وكذا المتنجسات كما هو ظاهر كلمات جماعة لصحة إطلاق النجس على المتنجس على ما يشهد له بعض الأخبار (١) وبما أن ظاهر الآية أن النهي عن دخولهم المسجد متفرع على نجاستهم فتدلنا على أن الحكم يعم كل ما صدق عليه أنه نجس.
وقد يطلق ويراد منه معناه الحدثي المصدري وهو بهذا المعنى لا يصح إطلاقه على الأعيان النجسة ، فإنّ العين لا معنى لكونها حدثاً مصدرياً ، اللهُمَّ إلاّ بضرب من العناية والمبالغة كقولهم زيد عدل ولكنه يحتاج إلى مرخص في الاستعمال ، والآية المباركة لم يظهر إرادة المعنى الاشتقاقي فيها من النجس ، بل الظاهر أنه إنما أُطلق بالمعنى الحدثي المصدري كما هو المناسب لكل مصدر وإنما صح إطلاقه على المشركين لتوغلهم في القذارة وقوة خباثتهم ونجاستهم كإطلاق العدل على زيد في المثال ، ولم يثبت أيّ مرخص في إطلاقه على بقية الأعيان النجسة ، فصح اختصاص
__________________
(١) كمكاتبة سليمان بن رشيد المتقدِّمة في ص ٢٢٧ حيث أطلق فيها النجس على الثوب المتنجس في قوله : إذا كان ثوبه نجساً. وكذا غيرها من الأخبار.