إلاّ به. فاذا اقتضت القاعدة عدم وجوب شراء الكفن لميت الإنسان الذي هو أعزّ مخلوقات الله سبحانه ، فلا غرو أن تقتضي عدم وجوب بذل المال مقدمة للإزالة الواجبة.
وأمّا المورد الثاني : فقد قوّى الماتن فيه عدم الضمان ، والأمر كما أفاده ، ولنتكلّم أوّلاً في حكم تنجيس مال الغير حتى يظهر منه حكم المقام فنقول : إذا نجّس أحد مال غيره واحتاج تطهيره إلى بذل الأُجرة عليه فالظاهر عدم ضمانه للأُجرة ، وذلك لما ذكرناه في بحث الضمان من أن أدلة الضمان وإن كانت تشمل العين وأوصافها فاذا غصب أحد دابة مثلاً وكانت سمينة ثم عرضها الهزال وهي تحت يده ، فلا محالة يضمن النقص الحاصل في قيمتها كما هو مقتضى « على اليد ما أخذت » وغيره من أدلّة الضمان ، بلا فرق في ذلك بين وصف الصحة وغيرها من أوصاف الكمال. وعليه إذا صار تنجيس مال غيره سبباً لنقصان في قيمته كما قد يوجبه بل قد يسقطه عن المالية رأساً كما إذا نجّس ماء غيره أو لبنه ونحوهما فلا إشكال في ضمانه له حيث أتلفه على مالكه إلاّ أنّ اجرة تطهيره وإرجاعه إلى حالته السابقة مما لا دليل على ضمانه.
وقد يكون التفاوت بين اجرة التطهير ومقدار النقص الحاصل في قيمة المال مما لا يتسامح به ، وهذا كما إذا نجّس فرو غيره فإنه ينقص قيمته لا محالة بحيث لو كان يشترى طاهره بخمسة دنانير مثلاً يشترى بعد تنجسه بأربعة ، إلاّ أن اجرة تطهيره وإرجاعه إلى حالته الأولية لعلها تزيد على ثلاثة دنانير لاحتياجه إلى الدباغة وغيرها من الأعمال بعد غسله ، فالذي يضمنه من صار سبباً لتنجسه دينار واحد في المثال دون اجرة التطهير التي هي ثلاثة دنانير مثلاً ، ومن ذلك يظهر عدم ضمان اجرة التطهير في تنجيس المسجد لما عرفت من أنه لا دليل على ضمانها في تنجيس ملك الغير فضلاً عن تنجيس ما لا يدخل في ملك مالك ، والفرق بين تنجيس المسجد وغيره من الأموال إنما هو في أن المنجّس يضمن النقص الحاصل في قيمتها إذا حصل بتنجيسها ، وهذا بخلاف المسجد فان من صار سبباً لتنجسه لا يضمن النقص أيضاً لما تقدم من أن المساجد موقوفة ومعنى وقفها تحريرها فلا تقاس بسائر الوقوف التي هي ملك غير طلق ، فاذا لم تكن المساجد مملوكة لمالك فلا تشملها أدلّة الضمان