المقام ، لإمكان إعطاء المصحف بيد الكافر من غير أن يستلزم ذلك مسه وتنجيسه فلم يعلم أن إعطاءه بيده إعانة على الحرام.
على أنّا لو سلمنا تحقق صغرى الإعانة وقلنا إن إعطاء المصحف بيده مستلزم لتنجيسه ، لم يمكننا الحكم بوجوب أخذه منه من جهة دفع المنكر أو رفعه ، لأن كبرى وجوب النهي عن المنكر غير ثابتة بالإضافة إلى الكفار الموجودين في بلاد المسلمين حتى بناء على أنهم مكلفون بالفروع ، وذلك لأنهم يعيشون في بلاد المسلمين على حريتهم ويعامل معهم بأحكامهم وقوانينهم ولا يعامل معهم معاملة المسلمين بأحكامهم ، فإذا علمنا أن أحداً منهم يشرب الخمر في داره لم يجز لنا ردعه دفعاً له لعدم كونه منكراً في مذهبه. وعليه فلا يجوز أخذ المصحف من يد الكافر دفعاً لمسّه وتنجيسه لأن تنجيس المصحف ليس بمنكر على مذهبه.
وثالثاً : أن المصحف لو وجب أخذه من يد الكافر بهذا المناط لوجب أن يؤخذ منه غيره من الكتب السماوية كالتوراة وغيرها ، لاشتمالها على أسماء الله وأسماء الأنبياء بل وعلى أحكامه سبحانه لعدم كونها مفتعلة بأسرها فلو بقيت عنده لمسّها ونجّسها وهو حرام. نعم ، لو كان نظره قدسسره إلى صورة أُخرى وهي ما إذا كان إعطاء المصحف بيد الكافر أو بقاؤه عنده مستلزماً لهتكه ومهانته فما أفاده صحيح ، لأنه لا إشكال حينئذ في حرمة إعطائه بيد الكافر ولا كلام في وجوب أخذه منه لئلاّ يلزم هتك حرمات الله سبحانه التي من أعظمها الكتاب ، إلاّ أنّ ذلك مما لا يختصّ بالكتاب كما لا يختصّ بتنجيسه ، فانّ هتك الكتاب غير منحصر بتنجيسه كما أن الحرام لا يختصّ بهتك الكتاب ، فانّ هتك أي حرمة من الحرمات كذلك ، نظير التربة الحسينية على ما يأتي عليها الكلام إن شاء الله.
ثم إنّ كتب الأحاديث حكمها حكم الكتاب ، فيحرم إعطاؤها بيد الكافر ويجب أخذها منه إذا لزم منهما هتكها دون ما إذا لم يلزم منهما ذلك ، كيف وقد حكي أن أكثر اليهود والنصارى إنما أسلموا بمطالعة نهج البلاغة ، ومعه كيف يسوغ الحكم بحرمة إعطائها بيد الكافر أو بوجوب أخذه منه.