وحرمة التصرّف في مال الغير فان امتثالهما أمر ممكن فيجب العمل بكليهما ، وهو إنما يتحقّق بالاستئذان من المالك والإزالة بعد إذنه.
هذا فيما إذا لم يتخلّل بين الاستئذان وإذن المالك مدة معتد بها بحيث يلزم من بقاء المصحف على نجاسته في تلك المدّة مهانته وهتكه ، وأما إذا كان الاستئذان غير ممكن أو أمكن إلاّ أن بقاء المصحف على النجاسة في المدة المتخللة بين الاذن والاستئذان كان موجباً لهتكه ، فلا محالة يقع التزاحم بين حرمة التصرف في مال الغير من غير إذنه وبين وجوب إزالة النجاسة عن الكتاب ، وحيث إن وجوب الإزالة أهم في هذه الصورة لأنّ المصحف أعظم الكتب السماوية ومتكفل لسعادة البشر وهو الأساس للدين الحنيف ولا يرضى الشارع بانتهاكه ، فنستكشف بذلك إذنه في تطهيره ، ومع إذن المالك الحقيقي في التصرّف في مال أحد لا يعبأ بإذن المالك المجازي وعدمه.
ونظيره ما إذا أذن المالك في تطهير المصحف ولم يرض بذلك مالك الماء ، فلا بدّ حينئذ من التصرف في الماء باستعماله في تطهير الكتاب ، لاستكشاف إذن المالك الحقيقي حيث إن تركه يستلزم انتهاك حرمة الكتاب. وأما إذا لم يكن بقاء الكتاب على النجاسة موجباً لهتكه كما إذا كان متنجساً بمثل الماء المتنجس مثلاً فان كان الاستئذان ممكناً حينئذ وكان المالك بحيث يأذن لو استأذن فلا كلام في حرمة الإزالة قبل إذن المالك لإمكان امتثال كلا الحكمين. وليست الإزالة بأولى في هذه الصورة منها في صورة استلزام تركها الهتك ، وقد عرفت عدم جواز الإزالة حينئذ من دون إذن المالك. وإذا لم يمكن الاستئذان من المالك أو أمكن إلاّ أن المالك بحيث لا يأذن لو استأذن يقع التزاحم بين حرمة التصرف في مال الغير من دون إذنه ووجوب الإزالة ولم يثبت أن الثاني أقوى بحسب الملاك بل الأول هو الأقوى ولا أقل من أنه محتمل الأهمية دون الآخر فيتقدم على وجوب الإزالة ، وذلك لأن التصرف في مال أحد يتوقف على إذنه أو على إذن المالك الحقيقي وكلاهما مفقود في المقام. نعم ، لا بأس بإرشاد المالك وقتئذ من باب الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر ، بل ولا مانع عن ضربه وإجباره على تطهير المصحف إذا أمكن وأما التصرّف في ماله من دون إذنه فلا.