على متوسطها فلا مناص من الاقتصار على أقلها سعة من الأفراد المتعارفة الدارجة في عصر الصادقين عليهماالسلام على ما تقتضيه القاعدة عند دوران المخصص المجمل بين الأقل والأكثر. وعليه فيقع الكلام في تحديد الدراهم المتعارفة وتميزها عن غيرها ، ولم يرد تحديد الدرهم في شيء من الروايات ، والمعروف بينهم أن المراد بالدرهم المعفوّ عما دونه هو البغلي ، وعن المتقدِّمين تفسيره بالوافي. ومن البعيد جدّاً أن يعبِّروا عن شيء واحد بتعبيرين مختلفين.
ثم إنّ كلماتهم قد اختلفت في تحديد سعة ذلك الدرهم المفسّر بالبغلي أو الوافي ، فقد نسب إلى أكثر العبائر تحديدها بأخمص الراحة وهو أكثر التحديدات المذكورة في المقام ، وعن الإسكافي تحديدها بسعة العقد الأعلى من الإبهام (١) من غير تعرّض لكونه البغلي أو غيره. وعن بعضهم تحديدها بعقد الوسطى. وعن رابع تحديدها بعقد السبابة وهو أقل التحديدات المتقدِّمة. أما تحديدها بأخمص الراحة فلا مستند له في كلماتهم سوى ما عن ابن إدريس في سرائره من أنه شاهد درهماً من الدراهم التي كانت تجدها الحَفَرة في بلدة قديمة يقال لها بغل قريبة من بابل تقرب سعته من سعة أخمص الراحة (٢).
وفيه أوّلاً : أن ابن إدريس إنما شهد على أنّ سعة الدرهم البغلي قريبة من سعة أخمص الراحة لا أن سعته بمقدار سعتها ، فهو في الحقيقة شهد على نقصان سعة الدرهم عن المقدار المدعى ، ولازم الاعتماد على شهادته تحديد الدرهم البغلي بما ينقص عن سعة أخمص الراحة بشيء لا تحديده بسعتها.
وثانياً : أن شهادته قدسسره غير مسموعة ، فإنّ الشهادة يعتبر فيها تعدّد الشاهد ولا يكتفى فيها بالواحد ، وباب الشهادة غير باب النقل والرواية كما لا يخفى. على أن الدرهم البغلي مورد الخلاف من حيث نسبته ، فان ابن إدريس نسبه إلى المكان حيث قال : وهو أي الدرهم البغلي منسوب إلى مدينة قديمة يقال لها بغل.
__________________
(١) المختلف ١ : ٣١٧ المسألة ٢٣٣.
(٢) السرائر ١ : ١٧٧.