وفيه أنه لا مجال للأصل في المقام سواء قلنا بجريان الأصل الموضوعي أم بعدمه. أما مع جريانه وهو استصحاب العدم الأزلي فلوضوح أنه لا مجال للأصل الحكمي معه لأنه حاكم عليه. وأما مع عدم جريانه فلأن جواز الصلاة في الثوب قبل أن يطرأ عليه الدم المردد إنما كان مستنداً إلى طهارته وهي قد ارتفعت لتنجس الثوب على الفرض ، ولا حالة سابقة لجواز الصلاة في الثوب المتنجس حتى نستصحبها.
والعجب منه قدسسره حيث لم يقتصر على ذلك وأضاف إليه أنه لو لم تكن له حالة سابقة معلومة أو منع من استصحابها مانع كما لو كان من أطراف الشبهة المحصورة وجبت إزالته لقاعدة الاشتغال.
ويندفع أن في أمثال المقام من الشبهات الموضوعية لا مجال للرجوع إلى قاعدة الاشتغال وإنما يرجع فيها إلى البراءة باعتراف منه قدسسره في البحث عن الصلاة في اللباس المشكوك فيه (١). والسر في ذلك أن المانعية كالمحرّمات النفسية انحلالية فتنحل إلى موانع متعدِّدة بتعدّد أفراد موضوعها ، والمانع هو ما يتقيّد المأمور به بعدمه فإذا شككنا في أنّ الصلاة هل تقيد بأن لا تقع في الدم المردّد بين كونه مما عفي عنه أو من دم الحيض ونحوه كان مقتضى البراءة عدم تقيّدها بأن لا تقع في المشكوك فيه ، ومعه لا بدّ من الحكم بصحة الصلاة فيه.
وبعبارة اخرى أن المورد قد جمع بين الشبهة الموضوعية ودوران الأمر بين الأقل والأكثر وفيه جهتان ، وذلك للعلم بتقييد الصلاة بعدة قيود عدمية كالعلم بتقييدها بأن لا تقع في البول والمني وغيرهما ونشك في أنها زائداً على ذلك هل تقيّدت بأن لا تقع في الدم المشكوك فيه ، فيرجع إلى البراءة عن الزائد كما هو الحال في غيره من موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر. فالمتحصل أن المرجع في المسألة هو البراءة إذا بنينا على عدم جريان الأصل في الأعدام الأزلية نعم لو كان المشكوك فيه من أطراف العلم الإجمالي لم تجر فيه أصالة البراءة للمعارضة.
__________________
(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ١٢٨ السطر ٩.