قوله عليهالسلام « لا » وصحيحة علي بن جعفر المتضمنة لقوله عليهالسلام « فيغسله ثم يغتسل » وهما كما ترى ظاهرتان في النجاسة وقابلتان للحمل على الاستحباب والكراهة ، وأما الطائفة الثانية التي منها صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدمة فهي كالصريح في أن النهي عن مؤاكلة أهل الكتاب تنزيهي وليست بحرام فتدل على طهارتهم بالصراحة ، ومعه لا مناص من رفع اليد عن ظاهر الطائفة الأُولى بصراحة الثانية كما جرى على ذلك ديدن الفقهاء قدسسرهم في جميع الأبواب الفقهية عند تعارض النص والظاهر.
ومن هنا ذهب صاحب المدارك (١) والسبزواري (٢) قدسسرهما إلى ذلك ، وحملا الطائفة الأُولى على الكراهة واستحباب التنزه ، إلاّ أن معظم الأصحاب لم يرتضوا بهذا الجمع بل طرحوا أخبار الطهارة على كثرتها وعملوا على طبق الطائفة الثانية ، والمستند لهم في ذلك على ما في الحدائق (٣) أمران :
أحدهما : دعوى أن أخبار الطهارة مخالفة للكتاب لقوله عزّ من قائل ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ... ) (٤) وأخبار النجاسة موافقة له ، وقد بينا في محلّه انّ موافقة الكتاب من المرجحات. ويدفعه : ما تقدمت الإشارة إليه سابقاً من منع دلالة الآية المباركة على نجاسة المشركين فضلاً عن نجاسة أهل الكتاب ، وقد بينا الوجه في ذلك بما لا مزيد عليه ، فراجع.
وثانيهما : أنّ أخبار النجاسة مخالفة للعامة لأن معظم المخالفين لولا كلّهم يعتقدون طهارة أهل الكتاب (٥) وقد ورد في روايات أئمتنا عليهمالسلام الأمر بأخذ ما يخالف مذهب المخالفين من المتعارضين (٦) ومقتضى ذلك الأخذ بما دلّ على نجاسة
__________________
(١) المدارك ٢ : ٢٩٤ ٢٩٨.
(٢) ذخيرة المعاد : ١٥٠.
(٣) الحدائق ٥ : ١٦٢ ١٧٢.
(٤) التوبة ٩ : ٢٨.
(٥) قدّمنا شطراً من كلماتهم في هذه المسألة في ص ٣٧ ، فليراجع.
(٦) الوسائل ٢٧ : ١٠٦ أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ١ ، ١٩ ، ٢٥ ، وغيرها.