ما يوهم نجاسته وثبوت العفو عنه.
وقد استدلّ للمشهور بوجوه :
الأوّل : الإجماع على طهارة الدم مما لا نفس له ، ويدفعه : أن الإجماع على تقدير تحقّقه ليس بإجماع تعبّدي ، لاحتمال استنادهم في ذلك إلى قوله تعالى : « إلاّ أن يكون دماً مسفوحاً » (١) بدعوى عدم شموله لدم ما لا نفس له ودلالته على طهارته ، وإن كان قد عرفت عدم دلالته على نجاسة الدم المسفوح فكيف بالاستدلال بها على طهارة غيره ، أو استنادهم إلى أحد الوجوه الآتية في الاستدلال.
الثاني : ما عن أمير المؤمنين عليهالسلام من أنه كان لا يرى بأساً بدم ما لم يذك يكون في الثوب فيصلي فيه الرجل ، يعني دم السمك وقد رواه في الوسائل عن السكوني ، ونقل أنّ الشيخ رواه بإسناده عن النوفلي (٢). ويردّه : أنه على تقدير تمامية سنده فإنما يدل على ثبوت العفو عن دم السمك في الصلاة وكلامنا في طهارته لا في ثبوت العفو عنه.
الثالث : الأخبار الواردة في نفي البأس عن دم البق والبرغوث ، منها : ما رواه عبد الله بن أبي يعفور قال : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : ما تقول في دم البراغيث؟ قال : ليس به بأس ، قلت : إنه كثير ويتفاحش ، قال : وإن كثر ... » (٣). ومنها : مكاتبة محمد بن ريان قال : « كتبت إلى الرجل عليهالسلام : هل يجري دم البق مجرى دم البراغيث؟ وهل يجوز لأحد أن يقيس بدم البق على البراغيث فيصلي فيه ، وأن يقيس على نحو هذا فيعمل به؟ فوقّع عليهالسلام : يجوز الصلاة والطهر أفضل » )٤( ومنها غير ذلك من الأخبار.
والجواب عن ذلك : أن هذه الأخبار إنما وردت في خصوص البق والبرغوث ولا مسوّغ للتعدِّي عن موردها ، ثم لو تعدّينا فإنما نتعدّى إلى مثل الذباب والزنبور وغيرهما مما لا لحم له لا إلى مثل السمك الكبير والحيّة ونحوهما ، ولم يرد دليل على
__________________
(١) الأنعام ٦ : ١٤٥ ، ونصّها ( إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ).
(٢) ، (٣) ، (٤) الوسائل ٣ : ٤٣٦ / أبواب النجاسات ب ٢٣ ح ٣.