وأمّا الطبقة الأُولى وهم المتقدِّمون فالمصرح منهم بالنجاسة أما قليل أو معدوم ، وعليه فدعوى الإجماع على نجاسة العصير العنبي إذا غلى ولم يذهب ثلثاه ساقطة ، كيف ولم يتحقق الإجماع على نجاسة الخمر فما ظنك بنجاسة العصير ، لما عرفته من الخلاف فيها بين الطبقات. ومما يؤيد ذلك بل يدل عليه أن صاحبي الوافي (١) والوسائل (٢) لم ينقلا روايات العصير في باب النجاسات وإنما أورداها في باب الأشربة المحرمة ، فلو كان العصير العنبي كالخمر من أحد النجاسات لنقلا رواياته في بابها كما نقلا أخبار الخمر كذلك ، ولم يكن لترك نقلها في باب النجاسات وجه صحيح.
وأمّا الاستدلال على نجاسته بما استدل به على نجاسة المسكر ففيه مضافاً إلى عدم استلزام الغليان الإسكار ، ما قدّمناه من عدم تماميته في نفسه وعدم ثبوت نجاسة كل مسكر كما مرّ. نعم ، لا كلام في حرمة شرب العصير العنبي إذا غلى ولم يذهب ثلثاه إلاّ أنها أجنبية عما نحن بصدده في المقام. وما ورد في بعض الروايات من أنه لا خير في العصير إن طبخ حتى يذهب ثلثاه وبقي منه ثلث واحد (٣) لا دلالة له على نجاسته بوجه لأن خيره شربه فاذا غلى يصح أن يقال إنه لا خير فيه حتى يذهب ثلثاه لحرمة شربه قبل ذهابهما ، وذلك لوضوح أن الخير فيه لا يحتمل أن يكون هو استعماله في رفع الحدث أو الخبث ولو قلنا بطهارته لأنه ليس بماء ، فنفي الخير عنه نفي للأثر المرغوب منه وهو الشرب وقد عرفت صحته. ومن المضحك الغريب الاستدلال على نجاسة العصير بعد غليانه بما ورد في جملة من الأخبار من منازعة آدم وحواء ونوح عليهمالسلام مع الشيطان ( لعنه الله تعالى ) في عنب غرسه آدم وما غرسه نوح عليهالسلام وأن الثلثين له والثلث لآدم أو نوح (٤) فالسنّة جرت على ذلك ، أو
__________________
(١) الوافي ٢٠ : ٦٥١.
(٢) الوسائل ٢٥ : ٢٧٩ / أبواب الأشربة المحرمة ب ١ ح ١ ، ٣ وغيرهما.
(٣) كما في روايتي أبي بصير ومحمد بن الهيثم المرويتين في الوسائل ٢٥ : ٢٨٥ / أبواب الأشربة المحرمة ب ٢ ح ٦ ، ٧.
(٤) الوسائل ٢٥ : ٢٨٢ / أبواب الأشربة المحرمة ب ٢ ح ٢ ، ٤ وغيرهما.