فالمراد بها أينما أطلقت في كلمات من يعتنى بتصحيح كلامهم : غاية الإنكشاف التام الذي لا يكون ما فوقه مجازاً مقبولاً لوجود العلاقة البينة ، إن ثبت كون اللفظ حقيقة في خصوص البصرية ، وإلا فمن استعمال المشترك في معناه الآخر حقيقة اعتماداً على وضوح القرينة وهي اشتراط الحسية بما يمتنع في حقه سبحانه .
وأحسن ما ينكشف به هذا المطلب ما سبقت روايته عن أمير المؤمنين عليهالسلام من قوله : لم أعبد رباً لم أره ، لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقايق الإيمان ، حيث أثبت عليهالسلام الرؤية أولاً ، ثم استدرك ذلك بصرفها من العينية لأنها المتبادر ، إلى القلبية .
ـ شرح الأسماء الحسنى ج ١ ص ١٨٥ ـ ١٩١
. . . ومنها قوله تعالى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، وجه الإحتجاج : أن النظر في اللغة جاء بمعنى الإنتظار ويتعدى بنفسه ، وبمعنى التفكر ويستعمل بفي ، وبمعنى الرأفة ويستعمل باللام ، وبمعنى الرؤية ويستعمل بإلى كما في الآية ، فوجب حمله على الرؤية كما قيل .
ويظهر من صاحب القاموس أن النظر المتعدي بنفسه يجئ بمعنى الرؤية أيضاً ، وجعله من باب الحذف والإيصال خلاف الأصل ، وأنه جاء بمعنى الحكم ويستعمل بكلمة بين فقال : نظره كضربه وسمعه ، وإليه نظراً ومنظراً ونظراناً ومنظرة وتنظاراً : تأمله بعينه كتنظره ، والأرض أرت العين نباتها ، ولهم : أعانهم ، وبينهم : حكم . انتهى .
واعترض على هذا الدليل أيضاً بأن النظر لا يدل على الرؤية ، فإن النظر تقليب الحدقة نحو المرئي . بل ادعى بعضهم أن النظر المستعمل بإلى موضوع لذلك ولتحققه بدونها ، يقال نظرت إلى الهلال فما رأيته ، ولو كان بمعنى الرؤية لكان تناقضاً ، ولم أزل أنظر إلى الهلال حتى رأيته ، ولو حمل على الرؤية لكان الشئ غاية لنفسه .