أقول : يمكن جعله من باب الإكتفاء بالمراد عن الإرادة ، كقوله تعالى : إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ، وهذا باب واسع كما في المغني وغيره ، فمعنى قولهم نظرت إلى الهلال فما رأيته أردت رؤية الهلال فما رأيته ، وهكذا في الآخر ، بل في كل موضع يقال إنه لتقليب الحدقة ، فالنظر محمول على معناه الحقيقي وهو الرؤية المرادة بتلك الإرادة ، بل إذا نظرت المعاني المستعمل فيها النظر وجدت روح جلها لو لم يكن كلها ، الرؤية . وأجيب أيضاً : بأن معنى قولهم نظرت إلى الهلال فما رأيته ونحوه ، نظرت إلى مطلع الهلال .
واعترض أيضاً على هذا الدليل بأنا لا نسلم أن لفظة إلى صلة للنظر ، بل واحدة الآلاء ومفعول به للنظر بمعنى الإنتظار ، أي نعمة ربها منتظرة ، ولو سلم فالنظر الموصول بإلى قد جاء للإنتظار قال الشاعر :
وشعث ينظرون إلى هلال |
|
كما نظر الظما حب الغمام |
والجواب : أما عن الثاني فبمثل ما ذكر عن حديث التقليب وكون النظر المستعمل بإلى بمعنى الإنتظار مما لم يثبت عند البلغاء ، وأما عن الأول فبأن انتظار النعمة غم ، بل قيل الإنتظار موت أحمر ، والآية مسوقة لبيان النعم .
وهذا الجواب زيف ، لأن الآية دالة على أن الحالة التي عبر عنها بقوله سبحانه : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، سابقة على حالة استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ، بقرينة المقابلة لقوله تعالى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ، أي تظن أن يفعل بها فعل هو في شدته وفظاعته داهية فاقرة تقصم فقار الظهر ، ولم يفعل بها بعد ، وحينئذ كان انتظار النعمة بعد البشارة بها سروراً يستتبع نضارة الوجه ، كما أن انتظار إكرام الملك لا يكون موجباً للغم إذا تيقن وصوله إليه .
بل الحق في الجواب أن كون إلى في الآية بمعنى النعمة لا يخفى بعده وغرابته وإخلاله بالفهم عند تعلق النظر به ، ولهذا لم يحمل الآية عليه أحد من أئمة التفسير .