ذلك صلاحاً للمكلفين في الدين ، وإن ورود الجواب يكون لطفاً لهم في النظر في الأدلة وإصابة الحق منها ، غير أن من أجاب بذلك شرط أن يتبين في مسألة علمه باستحالة ما سأل عنه وأن غرضه في السؤال ورود الجواب ليكون لطفاً . .
والجواب الثاني في الآية أن يكون موسى عليهالسلام إنما سأل ربه أن يعلمه نفسه ضرورةً بإظهار بعض أعلام الآخرة التي تضطره إلى المعرفة فتزول عنه الدواعي والشكوك والشبهات ويستغني عن الإستدلال فتخف المحنة عليه بذلك ، كما سأل إبراهيم عليهالسلام ربه تعالى أن يريه كيف يحيى الموتى طلباً للتخفيف عليه بذلك ، وإن كان قد عرف ذلك قبل أن يراه ، والسؤال إن وقع بلفظ الرؤية فإن الرؤية تفيد العلم كما تفيد الإدراك بالبصر ، وذلك أظهر من أن يستدل عليه أو يستشهد به ، فقال له جل وعز : لَن تَرَانِي ، أي لن تعلمني على هذا الوجه الذي التمسته مني ، ثم أكد تعالى ذلك بأن أظهر في الجبل من آياته وعجائبه ما دل به على أن إظهار ما تقوم به المعرفة الضرورية في الدنيا مع التكليف وبيانه لا يجوز ، وأن الحكمة تمنع منه .
والوجه الأول أولى لما ذكرناه من الوجوه ولأنه لا يخلو موسى عليهالسلام من أن يكون شاكاً في أن المعرفة ضرورية لا يصح حصولها في الدنيا أو عالماً بذلك ، فإن كان شاكاً فهذا مما لا يجوز على النبي صلىاللهعليهوآله ، لأن الشك فيما يرجع إلى أصول الديانات وقواعد التكليف لا يجوز عليهم سلام الله عليهم ، لا سيما وقد يجوز أن يعلم ذلك على الحقيقة بعض أمتهم فيزيد عليهم في المعرفة ، وهذا أبلغ في التنفير عنهم من كل شئ يمنع منه فيهم . وإن كان عالماً فلا وجه لسؤاله إلا أن يقال إنه سأل لقومه ، فيعود إلى معنى الجواب الأول .
والجواب الثالث في الآية ، ما حكي عن بعض من تكلم في هذه الآية من أهل التوحيد وهو أن قال : يجوز أن يكون موسى عليهالسلام في وقت مسألته ذلك كان شاكاً في جواز الرؤية على الله تعالى فسأل ذلك ليعلم هل يجوز عليه أم لا ، قال وليس شكه في ذلك بمانع من أن يعرف الله تعالى بصفاته بل يجري مجرى شكه في جواز الرؤية على بعض ما لا يرى من الأعراض في أنه غير مخل بما يحتاج إليه في معرفته تعالى .