ثم إنّ الاعراض عن الزواج في الغرب ، والاكتفاء بالاتصال الجنسي بدون زواج ، قد خلق مشكلة تهدّد بقاء الاُسرة ، كما أنّ عمل المرأة خارج البيت وبالتالي استقلالها الاقتصادي عن الرجل قد أضعف من سلطته وقيمومته ، كما ترك عملها خارج المنزل أثراً عكسياً علىٰ تربية الأطفال والاهتمام بشؤون البيت ، ونتيجة لذلك فقد هاجم كثير من علماء الغرب عمل المرأة ، حتىٰ إنه (نشأت في انجلترا جمعية قوية تعمل علىٰ مقاومة اتجاه النساء إلىٰ العمل في المصانع والشركات والمصالح الحكومية وإهمالهن البيوت) (١).
وهكذا نجد انعطافاً اجتماعياً حاداً في أنماط السلوك الغربي نتيجة لاضعاف دور الاُسرة ، يقول بعض الباحثين الاجتماعيين : (إننا لوعدنا إلىٰ مجتمعنا الذي نعيش فيه فزرنا السجون ودور البغاء ومستشفيات الأمراض العقلية ، ثم دخلنا المدارس وأحصينا الراسبين من الطلاب ، ثم درسنا من نعرفهم من هؤلاء لوجدنا أن معظمهم حُرموا من الاستقرار العائلي ، ولم يجد معظمهم بيتاً هادئاً من أب يحدب عليهم وأُمّ تدرك معنىٰ الشفقة ، وفساد البيت كان السبب في ضياع هذا الجيل الذي لا يعرف هدفاً ، ولا يعرف له مستقراً) (٢).
ولم تقتصر هذه المعطيات السلبية علىٰ الاُسرة فحسب ، بل امتدّ نطاقها وانعكس علىٰ المجتمع بأسره ؛ لأنّ انحلال وفساد الجيل سوف يؤدي إلىٰ عواقب وخيمة قد تسبب هزيمة الدولة ، فعندما ركعت فرنسا تحت أقدام ألمانيا في الحرب العالمية الثانية صاح «بيتان» في قومه : (لم تريدوا أطفالاً وهجرتم حياة الاُسرة ، وانطلقتم وراء الشهوات تطلبونها في كلِّ مكان ، فانظروا إلىٰ أي مصير
________________
١) أحكام الاُسرة في الإسلام / محمد مصطفىٰ شلبي : ١٣٠.
٢) اُنظر : النظام التربوي في الإسلام / باقر شريف القرشي : ٧٧.