الطاغوت أنه خلق ما به كان عابدا ، كما نستفيد من قوله : ( وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ ) أنه جعل ما به كانوا كذلك ، وذلك لأن الدليل قد دل على أن ما به يكون القرد قردا والخنزير خنزيرا لا يكون إلا من فعل الله ، وليس كذلك ما يكون ما به يكون الكافر كافرا ، فإنه قد دل الدليل على أنه تعالى متعال عن فعله وخلقه ، فافترق الأمران.
وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِ « إِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْفَقْرُ ».
إلخ. قال بعض الأفاضل : الصناعة النحوية تقتضي أن يكون الموصول اسم إن والجار والمجرور خبرا ، لكن لا يخفى أنه ليس الغرض الإخبار عن الذي لا يصلحه إلا الفقر بعض العباد ، إذ لا فائدة فيه بل الغرض بالعكس ، فالأولى أن يجعل الظرف اسم إن والموصول خبر. قال : وهذا وإن كان خلاف ما هو المتعارف من القوم ولكن جوز بعضهم مثله في قوله ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ ). و « العِبَادَةُ » بحسب الاصطلاح هي المواظبة على فعل المأمور به ، والفاعل عَابِدٌ ، والجمع عِبَادٌ وعَبَدَةٌ مثل كافر وكفار وكفرة ، ثم استعمل العَابِد فيمن اتخذ إلها غير الله ، فقيل عَابِدُ الوثن وعَابِدُ الشمس. و « زَيْنُ العَابِدِينَ » هو علي بن الحسين عليه السلام. والتَّعَبُّدُ : التنسك ، ومِنْهُ « سَجَدْتُ لَكَ يَا رَبِ تَعَبُّداً وَرِقّاً » (١).
والعَبْدُ المُتَعَبِّدُ : الدائم على العبادة أي الخضوع والتذلل لله. قال المحقق الطوسي في الأخلاق الناصرية : قال الحكماء عِبَادَةُ الله ثلاثة أنواع : الأول ما يجب على الأبدان كالصلاة والصيام والسعي في المواقف الشريفة لمناجاته جل ذكره. الثاني ما يجب على النفوس كالاعتقادات الصحيحة من العلم بتوحيد الله وما يستحقه من الثناء والتمجيد والفكر فيما أفاضه الله سبحانه على العالم من وجوده وحكمته ثم الاتساع في هذه
__________________
(١) الكافي ج ٣ صلى الله عليه وآله ٣٢٣.