فلم أزل [أدلف (١)] حتى قربت منه ودنوت ، فسلمت عليه ، فردّ عليّ السلام ، فأول ما ابتدأني أن قال لي : يا فتح من أطاع الخالق فلم يبال بسخط المخلوقين ، يا فتح إنَّ الله جلّ جلاله لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه ، فأنّى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه ، والأوهام أن تناله ، والخطرات أن تحدّه ، والأبصار أن تحيط به ، جلّ عمّا يصفه الواصفون ، وتعالى عمّا ينعته الناعتون ، نأى في قربه وقرب في نأيه ، بعيد في قربه وقريب في بعده ، كيّف الكيف فلا يقال كيف ، وأيّن الأين فلا يقال أين ، إذْ هو منقطع الكيفيّة والأينيّة ، الواحد الأحد جلّ جلاله.
كيف يوصف محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد قرن الجليل اسمه باسمه ، وأشركه في طاعته ، وأوجب لمن أطاعه جزاء طاعته فقال : (وَما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) (٢) فقال تبارك اسمه يحكي قول من ترك طاعته (يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) (٣).
أم كيف يوصف من قَرَن الجليل طاعته بطاعة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : حيث قال : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٤) ، وقال : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ) (٥).
يا فتح كما لا يوصف الجليل جلّ جلاله ، ولا يوصف الحجّة ،
__________________
(١) في الأصل والحجرية : (أتلف) ، وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر ، الدليف المشي الرُّوَيْد ، دلف يدلف دلفاً إذا مشى وقارب الخَطْو ، لسان العرب ٩ : ١٠٦ (دلف)
(٢) التوبة : ٩ / ٧٤.
(٣) الأحزاب : ٣٣ / ٦٦.
(٤) النساء : ٤ / ٥٩.
(٥) النساء : ٤ / ٨٣.