فكذلك لا يوصف المؤمن المسلّم لأمرنا ، فنبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم أفضل الأنبياء ، ووصيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم أفضل الأوصياء ، ثم قال بعد كلام : فاردد الأمر إليهم وسلم لهم ، ثم قال لي : إن شئت ، فانصرفت عنه.
فلمّا كان في الغد تلطّفت في الوصول إليه ، فسلّمت فردّ السلام ، فقلت يا ابن رسول الله : تأذن لي في كلمة اختلجت في صدري ليلة الماضية؟ فقال لي : سل واصغ إلى جوابها سمعك ، فان العالم والمتعلّم شريكان في الرشد ، مأموران بالنصيحة ، فأمّا الذي اختلج في صدرك فان يشاء العالم أنبأك ، إنَّ الله لم يظهر على غيبة أحداً إلاّ من ارتضى من رسول ، وكلّما عند الرسول فهو عند العالم ، وكلّما أطلع الرسول عليه فقد أطلع أوصياؤه عليه.
يا فتح عسى الشيطان أراد اللبس عليك ، فأوهمك في بعض ما أودعتك ، وشكّك في بعض ما أنبأتك ، حتى أراد إزالتك عن طريق الله وصراطه المستقيم ، فقلت في نفسي : متى أيقنت أنّهم هكذا ، فقال : معاذ الله ، إنّهم مخلوقون مربوبون ، مطيعون لله ، وآخرون راغمون ، فاذا جاءك الشيطان بمثل ما جاءك به ، فاقمعه بمثل ما أنبأتك به.
قال فتح : فقلت له : جعلني الله فداك ، فرّجت عني ، وكشفت ما لبس الملعون عليّ ، فقد كان أوقع في خَلَدي (١) أنّكم أرباب ؛ فسجد عليهالسلام فسمعته يقول في سجوده : راغماً لك يا خالقي ، داخراً ، خاضعاً.
ثم قال : يا فتح كدت أن تهلك ، وما ضرّ عيسى أن هلك من هلك ،
__________________
(١) الخلد : بفتح الخاء واللام ، أي : البال ، والنفس ، والقلب ، وجمعه إخلاد ، لسان العرب ٣ : ١٦٥ (خلد)