يسيرة ، ثمّ رجع وهو متغيّر اللون محمرّ الوجه ، فخطب خطبة بليغة موجزة وعيناه تهملان دموعاً ، ثمّ قال : أيّها الناس ، إنّي قد خلّفت فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي وأرومتي ومراح قلبي وثمرتي ، لم (١) يفترقاحتى يراد عليّ الحوض ، ألا وإنّي أنتظرهما ، ألا وإنّي لا أسألكم في ذلك إلا ما أمرني ربّي ، إنّي أسألكم المودّة في القربى ، فانظروا لا تلقوني غداً على الحوض وقد أبغضتم عترتي وظلمتموهم ، ألا وإنّه سترد علي في القيامة ثلاث رايات من هذه الاُمّة : راية سوداء مظلمة فتقف علي فأقول : من أنتم؟ فينسون ذكري ويقولون : نحن أهل التوحيد من العرب ، فأقل : أنا أحمد نبيّ العرب والعجم ، فيقولون : نحن من اُمتك ، فأقول : كيف خلّفتموني في أهلي وعترتي من بعدي وكتاب ربّي؟ فيقولون : أمّا الكتاب فضيعنا ومزقنا ، وأمّا عترتك فحرصنا على أن نبيدهم (٢) عن جديد الأرض ، فاُوليّ وجهي ، فيصدرون ظماء عطاشاً مسودة وجوههم.
ثمّ ترد علي راية اُخرى أشدّ سواداً من الاُولى [ فأقول لهم : من أنتم؟ ] (٣) فيقولون كالقول الأوّل بأنهم من أهل التوحيد ، فإذا ذكرت لهم اسمي عرفوني ، وقالوا : نحن اُمتك ، فاقول : كيف خلّفتموني في الثقلين الأكبر والأصغر؟ فيقولون : أمّا الأكبر فخالفنا ، وأمّا الاصغر فخذلنا ( وَمَزَّقنَاهُم كُلَّ مُمَزَّقٍ ) (٤) ، فأقول لهم : إليكم عنّي ، فيصدرون ظماء عطاشاً مسودة وجوههم.
ثمّ ترد عليَّ راية اُخرى تلمع نوراً ، فأقول : من أنتم؟ فيقولون : نحن أهل
__________________
١ ـ في المقتل : ومزاج مائي وثمرتي ، ولن.
٢ ـ في المقتل : ننبذهم.
٣ ـ من المقتل.
٤ ـ سورة سبأ : ١٩.