رحمانيّ ، أطلعهم سبحانه على مصون سره ، وقلّدهم ولاية أمره في برّه وبحره ، وسهله ووعره ، فهم الوسائل إليه ، والأدلاء عليه ، قصرت الأفهام عن إدراك جلالهم ، وحصرت الأوهام عن تصور كمالهم ، فاقوا الخضر في علم الباطن والظاهر ، وفاتوا الحصر بالدليل القاطع والمعجز الباهر ، فالخليل يفخر باُبوّتهم ، والكليم يقصر عن رتبتهم ، والمسيح باسمائهم يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله ، والروح الأمين يتنزّل عليهم في منازلهم بأمر الله.
لما علموا أنّ الحياة الفانية مبالغة لهم عن حصول مطلوبهم ، قاطعة عن الوصول إلى محبوبهم ، حاجبة عن منازل قربهم ، حاجزة عن جوار ربّهم ، قطعوا العلائق للاتصال بالمحل الأسنى ، وخلعوا لباس العيش الدني الاولى ، وتلقوا بوجههم الصفاح والرماح ، وصبروا بشدة عزمهم على مضّ الجراح ، تشوفاً إلى الاتصال بمنازل القبول والرضوان ، وتشوقاً إلى الاستظلال بأظلة تلك العواطف والامتنان ، وبذلوا أنفسهم فنالوا فضلها ، وكانوا أحقّ بها وأهلها ، وكان أعظم من أطاع الله منهم بجدّه وجهده ، وأخلص لله ببذل نفسه وولده ، وأراد أن تكون كلمة الله العليا ، وكلمة الّذين كفروا السفلى ، وسبب الله الأقوى ، ودينه الأعلى ، إمام الاُمّة ، وأب الأئمّة ، ومنبع الحكمة ، ومجمع العصمة ، صاحب الأصل السامي ، والفرع النامي ، والمجاهد المحامي ، معاذي وملاذي يوم حشري وقيامي ، وحياتي ومماتي وارتحالي ومقامي ، والأوّاه الحليم ، الجواد الكريم ، صاحب المصيبة العامّة ، والرزيّة الطامّة ، والواقعة الكبرى ، والمحنة العظمى ، قتيل العبرة وصريع الفجرة ، وسليل البررة ، وسراج العترة ، وطاهر الاسرة.
النبوّة أصله ، والامامة نسله ، خاتم أصحاب الكساء ، ابن خير الرجال وخير النساء ، جدّه النبيّ ، وأبوه الوصيّ ، واُمّه الزهراء ومغرسه البطحاء ، طار