فركبوا الصعب والذلول في قتالهم ، وخالفوا نص الرسول بكفرهم وضلالهم وقصدوهم في أنفسهم وأموالهم ، وحاربوهم بخيلهم ورجالهم ، فاستشعروا لباس الصبر الجميل طلباً للثواب الجزيل ، وباعوا النزر القليل بالباقي الجليل ، وجاهدوا الفجرة بجدّهم وجهدهم ، وحاربوا الكفرة بذاتهم وولدهم ، وتبرّموا بالحياة في دولة الظّالمين ، واستطابوا الممات لغلبة الضالين ، وامتثلوا أمر الله بعزائم أبية ، وانوف حمية ، واصول نبوية ، وفروع علوية ، وأرواح روحانية ، وأنفس قدسية ، وقلوب على تقوى الله جبلت ، وبالحق قضت وعدلت.
عرجت أرواحها إلى المحلّ الأسنى ، ورقت نفوسها إلى الملكوت الأعلى ، فشاهدت بأبصار بصائرها منازل الشهداء في جنّة المأوى ، ولاحظت بأفكار ضمائرها ما اعد للمجاهدين في سبيله في دار الجزاء ، فآثرت الآخرة على الاولى ، وما يبقى على ما يفنى.
فيا من يخطّىء صوابهم ، ويستحب عتابهم ، ويستعذب ملامهم ، ويسفّه أحلامهم ، ويتلو بنية فاسدة مشتركة : ( وَلَا تُلقُوا بِأيـدِيكُم إلَى التَّهلُـكَةِ ) (١) ، جهلاً منه بمواقع التنزيل ، وغيّاً عن مواضع التأويل ، تبت يدك ، وفلَّ جدّك ، لقد نافقت بإسلامك ، وأخطأت عن مرامك ، وعشى عن ضوء شمس الحق إنسان عينك ، واستولى الشك على مشوب يقينك ، أتعلم من أنزل في بيوتهم ، وورد الذكر في صفاتهم ونعوتهم ، وفخر جبريل يوم العبا بصحبتهم ، واُنزلت سورة « هل أتى » في مدحتهم؟
يا ويلك أتورد حجتك ، وتوّرك شبهتك ، على قوم الدنيا في أعينهم أقلّ من كلّ قليل ، وعزيزها لديهم أذل من كلّ ذليل؟ علمهم لدني ، وكشفهم
__________________
١ ـ سورة البقرة : ١٩٥.