فقال ابن عمر : إنّي أعلم أنّ الله تبارك وتعالى لم يكن ليجعل ابن بنت نبيّه على خطأ ، ولكن أخشى أن يضرب وجهك هذا الحسن بالسيوف ونرى من هذا الأمر ما لا نحبّ (١) فارجع معنا إلى المدينة ولا تبايع أبداً ، واقعد في منزلك.
فقال الحسين عليهالسلام : هيهات ، إنّ القوم لا يتركوني إن أصابوني ، فإن لم يصيبوني فإنّهم يطلبونني أبداً حتّى اُبايع او يقتلونني ، أمّا تعلم أنّ من هو ان الدنيا على الله انّه اُتي برأس يحيى بن زكريّا إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل والرأس ينطق بالحجّة عليهم فلم يضرّ ذلك يحيى بل ساد الشهداء؟ أو لا تعلم أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيّاً ثمّ يجلسون في أسواقهم كأنّهم لم يصنعوا شيئاً فلم يعجّل الله (٢) عليهم ، ثمّ أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام؟ اتقّ الله ـ يا با عبد الرحمن ـ ولا تدعنّ نصرتي.
يا ابن عمر ، إن كان الخروج يثقل عليك فأنت في أوسع عذر واجلس عن القوم ولا تعجل بالبيعة لهم حتّى تعلم ما يؤول الأمر إليه.
قال : ثمّ أقبل الحسين عليهالسلام على ابن عبّاس ، فقال : يا ابن عبّاس ، إنّك ابن عمّ والدي ، ولم تزل تأمر بالخير مذ عرفتك ، وكان أبي يستشيرك ، فامض إلى المدينة في حفظ الله (٣) ، ولا تخف عليَّ شيئاً من أخبارك ، فإنّي مستوطن هذا الحرم ومقيم فيه أبداً ما رأيت أهله يحبونّي (٤) وينصرونني فإذا هم خذلوني استبدلت بهم غيرهم.
قال فبكى ابن عبّاس وابن عمر ، ثمّ ودّعهما فسارا إلى المدينة ، وأقام
__________________
١ ـ في المقتل : وترى من هذه الاُمّة ما لا تحبّ.
٢ و٣ ـ لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل.
٤ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : يخيّروني.