معشقة ، وولدان ضياء جمالها قد أشرق ، وثياب من سندس بطائنها من استبرق ، اُكلها دائم ، وساكنها سالم ، لا يذوق الموت ، ولا يخشى الفوت ، ظلّها ظليل ، دورها سلسبيل ، وسقفها عرش الرحمن ، وخدمها الحور الحسان ، ( يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأكْوَابٍ وأبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعيِنٍ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ وَفَاكَهِةٍ مِمَّا يَتَخيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (١).
فاختاروا الاقامة في دار المقامة ، والاستظلال بتلك الأطلال ، وكرهوا الرجوع من دار البقاء إلى دار الفناء ، والعود من المحلّ الأعلى إلى المقام الأدنى ، ومن الصفيح الأرفع إلى الخراب البلقع ، فطلبوا إلى ربّهم ألاّ يهبطهم من درجتهم ، ولا يزحزحهم عن لذّتهم ، ولا يخرجهم من جنّتهم ، ولا يحطّهم عن رتبتهم.
فتجلّى لأفكارهم ، وخاطبهم في أسرارهم : إنيّ قد جعلت الدنيا طريقاً يسلك به إلى نعيمي المقيم ، وسبيلاً يتوصّل به إلى ثوابي الجسيم ، فلو لا امتثال عبادي أوامري ، وانزجارهم عن زواجري ، والاخلاص بطاعتي والامحاص في محبّتي ، وتحمّل المشاقّ في عبادتي ، والاستظلال بأروقة طاعتي ، لم أخلق خلقي ، ولم أبسط رزقي ، لكن أبدعتهم ليعرفوني ويوحّدوني وينزّهوني ، ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإنْسَ إِلَّا لِيَعْبُُدُونِ ) (٢).
فاتّبعوا دليلي ، وجاهدوا في سبيلي ، وصابروا أعدائي ، وانصروا أوليائي ، أجعلكم خزّان علمي في عبادي ، واُمناء وحيي في بلادي ، وشهدائي
__________________
١ ـ سورة الواقعة : ١٧ ـ ٢٤.
٢ ـ سورة الذاريات : ٥٦.