غيرهم ، وحثّوا الركاب فنالوا المنى بسيرهم.
ولمّا علموا أنّهم لا يمنعهم من حصول المطلوب بوصال المحبوب ، ولا يحجبهم عن السرّ المحجوب في سترات الغيوب ، إلّا خلع ملابس الحياة الفانية ، والتجرّد عن خيالات النفس الواهية ، والاتّصال بالمبدع الأكمل ، والترقّي إلى المقام الأفضل.
بذلوا الأجساد والأموال لتخليص أنفسهم من كدورات ظلمات أبدانها ، وبالغوا في إخراجها عن محلّ متاعها وحوادث أزمانها ، وباعوها من ربّها بالثمن الأوفى ، وبذلواها لمالكها بالعوض الأعلى ، وجاهدوا أعداءه إعلاءً لكلمته ، ونصروا أولياءه إخلاصاً بطاعته حتّى خلصت أنفسهم من سجون أحسادها ، وبلغت أرواحهم من السعادة الأبديّة أقصى مرادها ، فأصبحوا في عرصة كربلاء بين مخذول قد فقدت منه الأنصار ، ومقتول تسفي عليه عواصف الأعصار ، وظمآن سقى نهلته بكؤوس الحتوف ، ولهفان لم تنقع غلّته إلاّ غروب السيوف.
أسألك بحقّ تلك الأرواح المبذولة في محبّتك ، والأشباح المنبوذة في نصرتك ، والأوداج المقطّعة في إعلاء كلمتك ، والأشباح المبضّعة لتأييد حجّتك ، وبحقّ تلك النفوس الّتي قواعد إيمانها على التقوى مؤسّسة ، وبحقّ تلك الأبدان الّتي اُصول مجاريها بطهور العصمة مقدّسة ، وبحقّ تلك الضرائح الّتي هي مهابط متقرّبي ملائكتك ، وبحقّ تلك المشاهد الّتي شرفت ثراها بأجساد اوليائك وخاصّتك أن تصلّي على محمد وآل محمد ، وأن تجعلنا ممّن جلّ مصابه لمصيبتهم ، وعظم بلاؤه لبليّتهم ، وأضرمت نيران الأحزان شواظها في فؤاده ، وأوردته موارد الأشجان في إصداره وإيراده ، وأغرقت في لجّة العبرات إنسان