وخدشتَ منّا قروحاً لم تندمل ، فمن أنت رحمك الله؟
فقلت : أنا بشير بن حذلم ، وجّهني مولاي عليّ بن الحسين عليهالسلام ، وهو نازل بمكان كذا مع عيال أبي عبد الله عليهالسلام وبناته (١).
قال : فتركوني بمكاني وبادروني ، فضربت فرسي حتّى رجعت إليه عليهالسلام ، فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع ، فنزلت عن فرسي وتخطّيت رقاب الناس ، حتّى قربت من باب الفسطاط ، وكان عليّ بن الحسين عليهالسلام داخل الفسطاط ، فخرج ومعه خرقة يمسح بها دموعه ، وخلفه خادم معه كرسيّ ، فوضعه له فجلس عليه وهو لا يتمالك من العبرة والبكاء ، وارتفعت الأصوات بالنحيب ، وحنين الجواري والنساء ، والناس يعزّونه من كلّ ناحية ، فضجّت تلك البقعة ضجّة شديدة.
وأومأ بيده إلى الناس أن اسكتوا ، فسكتوا فقال عليهالسلام : الحمد لله ربّ العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، بارىء الخلائق أجمعين ، الّذي بَعْدَ فارتفع في السماوات العلى ، وقرب فشهد النجوى ، نحمده على عظائم الاُمور ، وفجائع الدهور ، وألم الفجائع ، ومضاضة اللواذع (٢) ، وجليل الرزء ، وعظيم المصائب ، الفاظعة ، الكاظّة ، الفادحة الحامّة. (٣)
أيّها الناس ، [ إن ] (٤) الله وليّ الحمد ابتلانا بمصائب جليلة ، وثلمة في الاسلام عظيمة ، قُتِِل أبو عبد الله عليهالسلام وعترته ، وسُبيت نساؤه وصبيته ،
____________
١ ـ في الملهوف : ونسائه.
٢ ـ في « ح » : يقال : لذعه بلسانه أيّ أوجعه ، في الدعاء ، نعوذ بك من لواذعه ، كأنّها الّتي تلذع الانسان وتوجعه.
٣ ـ في الملهوف : الجائحة.
٤ ـ من الملهوف. وفيه : وله الحمد.