فمضت بأرجلها ، وقنصت بأحبلها ، فألقتهم على حسكها ، وجعلت على عكسهم دورة فلكها ، وأباح لهم من شيعة الحق من لم يكن في حسابهم مشهوراً ، ولا في جرائد أعدائهم مزبوراً ، فجعلهم حصيداً خامدين (١) ، ومواتاً جامدين ، وصيّرهم كرمادٍ اشتدّت به الريح في يوم عاصف (٢) ، أو هشيماً تذروه (٣) الزعازع العواصف.
فلم تكن أيّامهم ، إلا كأضغاث أحلام ، أو طيف منام ، قد سلبهم سبحانه بقهره ملكاً ، وعزّاً ، فهل تحّس منهم من أحد أو تسمع له ركزاً (٤) لا ذرّيّة لهم مذكورة ، ولا تربة مشهورة ، ولا قبر مزور ، ولا مشهد معمور ، بل أخذهم سبحانه أخذه رابية ، فهل ترى لهم من باقية (٥)؟
ولو لم يكن سبحانه أوضح من فضل آل محمد وما أوضح ، ونصّ على وجوب طاعتهم وصرّح ، وفرض على الكافّة مودّتهم ، وقرن بطاعته طاعتهم ، وجعلهم اُولى الأمر في خلقه ، وأوجب من حقّهم ما أوجب من حقّه ، لكان فيما ذكرت أقوم دليل ، وأوضح سبيل ، على أنّ أمرهم لدنيّ ، وسلطانهم ربّانيّ ، وخلافتهم من أمر الله ، وإمامتهم من نصّ الله ، وأنّهم السبب المتّصل بينه وبين عباده ، والسبيل الموصل إلى مشيئته ومراده ، فهم وذكره المجيد حبلاه المتّصلان ، وسبباه الأطولان ، لا انقطاع لاتّصالهما ، ولا نقصان لكمالهما.
اللهمّ زدنا بحبّهم شرفاً إلى شرفنا ، وهب لنا بهم من لدنك رحمة تخصّنا
__________________
١ ـ إقتباس من الآية : ١٥ من سورة الأنبياء.
٢ ـ إقتباس من الآية : ١٨ من سورة إبراهيم.
٣ ـ إقتباس من الآية : ٤٥ من سورة الكهف.
٤ ـ إقتباس من الآية : ٩٨ من سورة مريم.
٥ ـ إقتباس من الآيتين : ١٠ و ٨ من سورة الحاقّة.