الكعبة قبلة جباه المسلمين ، فكربلا وجهة قلوب المؤمنين ، إن تكن الصلاة في المقام عزيمة وفريضة ، فبغير ولايته وولاية آبائه وأبنائه لا تعادل عند الله جناح بعوضة ، إن يكن البيت العتيق عتيق من الطوفان والغرق ، فمقامه صلوات الله عليه لما اُجري عليه الماء جار وما انطلق ، إن تكن أفئدة من الناس تهوي الى البيت الحرام ، فقلوب المؤمنين تحنّ إلى زيارته على الدوام.
جعل الله التوفيق زمام عصابة من أوليائه تقودها به إليه ، ومغناطيس نفوس خلاصةٍ من أصفيائه يتهافتون شوقاً عليه ، لا تأخذهم في وفادته لومة لائم ، ولا تثني عزائمهم عن زيارته مخافة ناصب ولا غاشم ، بذلوا أنفسهم وأموالهم ليستظلّوا بظلال تلك العواطف والمراحم ، وهجروا أبناءهم وديارهم هجرة إلى الله ورسوله لينالوا الزلفى من تلك الجوائز والمكارم ، زجّوا القلوص من كلّ فجّ عميق ، وحثحثوا الركاب من كلّ مرمى سحيق ، تركوا الأطفال كاليتامى ، والحلائل كالأيامى ، تلفح وجوههم الهواجر بسمومها ورياحها ، وتهزل أجسامهم المغاور بغدّوها ورواحها ، تبسط الملائكة أجنحتها لمواطىء أقدامهم ، وتبارك عليهم في صلواتها في مسيرهم ومقامهم ، لهم معقّبات من بين أيديهم ومن خلفهم يحفظونهم من أمر الله بالغدّو والآصال ، ولو لا ذلك لاصطلمتهم أكفّ الناصبة اُولي الجحود والضلال ، حتّى إذا لاحت لهم من جانب طور كربلاء أنوار ذلك الجناب ، وأشرقت عليهم شموس العرفان من تلك القباب ، اُديرت كؤوس السرور على نفوسهم وقلوبهم ، إذ فازوا بنيل المنى من وليّهم ومطلوبهم ومحبوبهم.
لمّا شربوا من شراب حبّة بالكأس الرويّة صرفاً ، زادهم العناية الإلهيّة توفيقاً وعرفاناً ولطفاً ، نادى فيهم المنادي لمّا دنا من النادي ، وغنّى لهم الحادي