خطّت رجلاه الأرض ، فلمّا أرادوا أن يدخلوه إليه قال : إنّي حلفت أن لا ألقاه إلا بيني وبينه الرمح أو السيف ، فأمر معاوية برمح أو سيف فوضعه بينه وبينه ليوفي في يمينه (١).
وكان قد انعزل في أربعة آلاف وأبى أن يبايع ، فلمّا أتم الأمر لمعاوية لم يجد بداً من ذلك وأقبل على الحسن وقال : أنا في حلّ من بيعتك.
قال : نعم ، فوضع يده على فخذه ولم يمدّها إلى معاوية ، فجثا معاوية على سريره ، وأكبّ على قيس حتّى مسح على يده فما رفع إليه قيس يده.
وقيل : إنّ معاوية أمر الحسن بعد الصلح أن يخطب وظن أنّه سيحصر.
فقال عليهالسلام : إنّما الخليفة من سار بكتاب الله وسنّة رسوله صلىاللهعليهوآله وليس الخليفة من سار بالجور ذاك مِلكٌ ملكَ مُلكاً يتمتع فيه قليلاً ، ثمّ تنقطع لذته وتبقى تبعته ، ( وَإِن أدرِي لَعَلَّهُ فِتنَةٌ لَكُم وَمَتَاعٌ إلَى حِينٍ ). (٢)
ثمّ انصرف الحسن عليهالسلام بعد ذلك إلى المدينة ، ورجع معاوية إلى الشام ، وأراد البيعة لابنه يزيد ، فلم يكن عليه أثقل من أمر الحسن عليهالسلام ، فجعل يحتال على قتله ، وسيأتي تمام القصة عند ذكر وفاته صلوات الله عليه. (٣)
قلت : وكان سيّدنا ومولانا سبط الرسول ، ومهجة البتول ، ثابت الجأش ، حمي الأنف ، لا تأخذه في قول الحق لومة لائم ، ولا يثني عزيمته عن الأمر بالمعروف مخافة شاغب ولا غاشم ، خذلته الغدرة الفجرة ، وخانته الاثمة الكفرة ، وأسلموه إلى الحتف ، وساقوه إلى الموت ، وأظهروا له الطاعة ودينهم
____________
١ ـ في المقاتل : ليبرّ يمينه.
٢ ـ سورة الأنبياء : ١١١.
٣ ـ مقاتل الطالبيّين : ٤٤ ـ ٤٧.