لكنت أنت ، وناشده قومه الشاميّون لمّا رأوا من جزع ابنه وبكائه في أثره وأروا الشاميون له ولابنه رقّة شديدة حتى جزعوا وبكوا ، ثم اعتزل الجانب الذي خرج إليه منهم قومه فشدّ على صفّهم عند المساء فقاتل حتى قتل ، ولمّا أمسى الناس ورجع أهل الشام إلى معسكرهم نظر رفاعة إلى كل رجل قد عقر به والى كل جريح لا يعين على نفسه فدفعه إلى قومه ، ثم سار بالناس ليلته كلّها حتى أصبح بالتنينير فعبر الخابور وقطع المعابر ثم مضى لا يمرّ بمعبر إلّا قطعه وأصبح الحصين بن نمير ، فبعث عيناً له فوجدهم قد ذهبوا فلم يبعث في آثاره أحد ، وساروا حتى مروا بقرقيسيا من جانب البر ، فبعث إليهم زفر من الطعام والعلف مثل ما كان بعث إليهم في المرّة الأولى ، وأرسل إليهم الأطباء ، وقال : أقيموا عندنا ما أحببتم فإنّ لكم الكرامة والمواساة ، فأقاموا ثلاثاً ، ثم زوّد كلّ امرىء منهم ما أحبّ من الطعام والعلف.
قال : وجاء سعد بن حذيفة بن اليمان حتى انتهى إلى هيت ، فاستقبله الأعراب وأخبروه بما لقي الناس ، فانصرف فتلقى المثنى بن مخرمة العبدي بصندوداء فأخبره ، فأقاموا حتى جاءهم الخبر أنّ رفاعة قد أظلّكم ، فخرجوا حين دنا من القرية فاستقبلوه فسلّم الناس بعضهم على بعض ، وبكش بعضهم إلى بعض ، وتناعوا إخوانهم فأقاموا بها يوماً وليلة ، وانصرف أهل المدائن إلى المدائن ، وأهل البصرة إلى البصرة ، وأقبل أهل الكوفة إلى الكوفة ، ولمّا ورد البشير على عبدالملك بن مروان ببشارة الفتح ، قال : فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أمّا بعد .. فإنّ الله قد أهلك من رؤوس أهل العراق ملقح فتنة ورأس ضلالة سليمان بن صرد ، ألا وإنّ السيوف تركت رأس المسيب بن نجبة خذاريف ، ألا وقد قتل الله من رؤوسهم رأسين عظيمين ضالّين مضلّين ، عبدالله ابن سعد أخا الأزد ، وعبدالله بن وال أخا بكر بن وائل ، فلم يبق بعد هؤلاء أحد عند