عيسى بن زيد ، فإنّه يقبح لمثلي أن لا يلقى مثله من أشياخه ، فدافعني عن ذلك مدّة ، وقال : إنّ هذا يثقل عليه ، وأخشى أن ينتقل عن منزله كراهية للقائك إيّاه فتزعجه ، قال : فلم إزل به اداريه وألطف له حتى طابت نفسه لي بذلك فجهّزني إلى الكوفة ، وقال لي : إذا صرت إليها فاسئل عن دور بني حي ، فإذا دللت عليها فاقصدها في السكة الفلانية وسترى في السكة دار لها باب صفته كذا وكذا فاعرفه واجلس بعيداً منها إلى أول السكة ، فإنّه سيقبل عليك من المغرب كهل طويل مسنون الوجه ، قد أثر السجود في جبهته ، عليه جبّة صوف يستقي الماء على جمل لا يضع قدماً ولا يرفعها إلّا ذكر الله عزّوجلّ ودموعه تنحدر ، فقم وسلّم عليه وعانقه ، فإنّه سيذعر منك كما يذعر الوحش ، فعرّفه نفسك وانتسب له يسكن إليك ويحدّثك طويلاً ، ويسألك عنّا جميعاً ، ويخبرك بشأنه ولا يضجر بجلوسك معه ، ولا تطل عليه وودّعه فإنّه سوف يستعفيك من العود إليه ، فافعل ما يأمرك به ، فإنّك إن عدت إليه توارى عنك واستوحش منك وانتقل عن موضعه ، وعليه في ذلك مشقّة ، فقلت : أفعل كما أمرتني ، ثم جهّزني إلى الكوفة ، وودّعته وخرجت.
فلمّا وردت الكوفة قصدت سكّة بني حي بعد العصر ، وجلست خارجها بعد أن عرفت الباب الذي نعته لي ، فلمّا غربت الشمس إذا أنا به قد أقبل يسوق الجمل وهو كما وصفه لي أبي ، لا يرفع قدماً ولا يضعها إلّا حرّك شفتيه بذكر الله عزّوجلّ ودموعه ترقرق في عينيه وتذرف أحياناً ، فقمت إليه وعانقته فذعر منّي كما يذعر الوحش من الإنس ، فقلت : يا عمّ أنا يحيى بن الحسين بن زيد بن أخيك ، فضمّني إليه وبكى حتى قلت قد جاءت نفسه ، ثم أناخ جمله وجلس معي فجعل يسألني عن أهله رجلا رجلا وامرأة امرأة وصبيّا صبيّا وأنا أشرح له أخبارهم وهو يبكي ، قال : يا بني استقي على هذا الجمل الماء فاصرف ما اكتسب ، يعني من أجرة الجمل إلى صاحبه واتقوّت باقيه ، وربّما عاقني عن استقاء