قال الراوي : وجاء عيسى بجيشه ونزل بالجرف ثم وقف على سلع (١) فنظر إلى المدينة ومن فيها فنادى : يا أهل المدينة إنّ الله حرم دماء بعضنا على بعض فهلمّوا إلى الأمان ، فمن قام تحت راياتنا فهو آمن ، ومن دخل داره فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، ومن ألقى سلاحه فهو آمن ، ومن خرج من المدينة فهو آمن ، خلوا بيننا وبين صاحبنا فإمّا لنا وإمّا له : فشتموه وانصرف من يومه وعاد من الغد وقد فرّق القواد من سائر جهات المدينة وأخلى ناحية مسجد أبي الجراح ، قال : ونشبت الحرب بينهم ، وبرز محمّد في أصحابه.
قال الراوي : وقاتل محمّد يومئذ قتالاً عظيماً فقتل بيده سبعين رجلاً ، وأمر عيسى حميد بن قحطبة فتقدّم في مائة كلّهم راجل سواه ، فزحفوا حتى بلغوا جداراً دون الخندق عليه ناس من أصحاب محمّد ، فهدم حميد الحائط وانتهى إلى الخندق ونصب عليه أبواباً ، وعبر هو وأصحابه فألقوا الحقائب ، وغيرها في الخندق وجعل الأبواب عليها وجازت الخيل فاقتتلوا أصحاب محمّد قتالاً شديداً ، قال : وانصرف محمّد قبل الظهر فاغتسل وتحنّط ، ثم رجع فقال له عبدالله ابن جعفر : بأبي أنت وأمي والله مالك بما ترى طاقة ، فلو أتيت الحسن بن معاوية بمكة فإنّ معه جلّ أصحابك. فقال : لو خرجت لقتل أهل المدينة ، والله لا أرجع حتى أقتل أو أُقتل ، وأنت منّي في سعة فاذهب حيث شئت ، فمشى معه قليلاً ثم رجع عنه جل أصحابه فلم يبق معه إلّا ثلاثمائة أو يزيدون قليلاً.
قال الراوي : والتفت إلى بقية أصحابه وقال لهم : نحن اليوم بعدّة أهل بدر ، قال : وصلّى محمّد الظهر ، والعصر ، ثم تقدم وقد عرقب فرسه وعرقب بنو شجاع الخميسيون دوابّهم ، ولم يبق أحد إلّا كسر جفن سيفه ودعا محمّد في ذلك اليوم
__________________
(١) سلع جبل في المدينة المنورة.