وجاء العمري ناس كثير حتى وافوا باب المسجد فاراد حماد أن ينزل ، فبدر يحيى ابن عبدالله بن الحسن ، وفي يده السيف فضربه على جبينه وعليه القلنسوة فقطع ذلك كلّه وأطار مخّ رأسه ، فسقط عن دابّته وحمل على أصحابه فتفرّقوا وانهزموا ، وكان بالمدينة مبارك التركي ومعه بعض الجند ، فقاتل الحسين أشدّ القتال حتى منتصف النهار ، ثم انهزموا ، وقيل : إنّ مباركاً أرسل إلى الحسين يقول له : والله لأن أسقط من السماء فتخطفني الطير أيسر عَلَيَّ من أشوكك بشوكة ، أو أقطع من رأسك شعرة فبيّتني فإنّي منهزم عنك.
قال : فوجّه إليه الحسين قوماً ، فلمّا دنوا منه صاحوا صيحة واحدة وكبّروا فانهزم التركي هو ومن معه ، وأقام الحسين بن علي وأصحابه يتجزون بالمدينة أحد عشر يوماً ، وفرق ما كان في بيت المال على الناس وهي سبعون ألفاً ، ويقول : ابايعكم على كتاب الله وسنّة نبيّه ، وعلى أن يطاع الله ولا يعصى ، وأدعوكم الى الرضا من آل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى أن نعمل فيكم بكتاب الله وسنة نبيه ، والعدل في الرعية ، والقسم بالسويّة ، وعلى أن تقيموا معنا وتجاهدوا عدوّنا ، فإن نحن وفيناكم وفيتم لنا ، وإن لم نف لكم فلا بيعة لنا عليكم.
قال : ثم خرج الحسين وأصحابه وهم زهاء ثلاثمائة لستّ بقين من ذي القعدة إلى مكة ، واستخلف على المدينة دينار الخزاعي ، هذا وقد بلغ خبره إلى الخليفة الهادي العباسي ، وكان قد حج في تلك السنة رجال من أهل بيت الخليفة ، منهم سليمان بن أبي جعفر عمّ الهادي ، ومحمّد بن سليمان والعباس بن محمد وموسى وإسماعيل ابنا عيسى الدوانيقي ، وقد التحق بهم مبارك التركي ومن معه فأمرهم الخليفة بتولية الحرب ، وقد سرح لحرب الحسين الجيش.
قال : ولمّا بلغ الحسين وأصحابه فخّ تلقّتهم الجيوش من المسوّدة ، وكان يوم التروية عند صلاة الصبح ، فعرض العباس بن محمّد على الحسين الأمان