والمتصدّرين في الجوامع جاء الوزير فجلس صدراً والقاضي والداعي من جانبيه والقرّاء يقرؤون بنوبة وينشد قوم من الشعر غير شعراء الخليفة ، شعراً يرثون به أهل البيت عليهالسلام ، ولا يزالون إلى أن تمضي ثلاث ساعات فيستدعون إلى القصر ، فيركب الوزير إلى داره ويدخل قاضي القضاة والداعي ومن معهما إلى باب الذهب فيجدون الدهاليز قد فرشت مصاطبها بالحصر بدل البسط وينصب في الأماكن الخالية من المصاطب دكك لتلحق بالمصاطب وتفرش ويجدون صاحب الباب جالساً ، فيجلس القاضي والداعي إلى جانبه والناس على اختلاف طبقاتهم فيقرأ القراء وينشد المنشدون أيضاً ، ثم يفرش على سماط الحزن مقدار ألف زبدية من العدس والممحات والمخللات والأجبان والألبان الطاسجة ، وأعسال النحل والفطير والخبز المغيّر لونه بالقصد ، فإذا قرب الظهر وفق صاحب الباب وصاحب المائدة ، وأدخل الناس للأكل فيدخل القاضي والداعي ، ويجلس صاحب الباب نيابة عن الوزير المذكور أنّ إلى جانبه ، وفي الناس من لا يدخل ولاه يلزم أحد بذلك فإذا فرغ القوم انفصلوا إلى أماكنهم ركباً ، بذلك الزي الذي ظهروا فيه وطاف النواح بالقاهرة ذلك اليوم وأغلق البيّاعون حوانيتهم إلى جواز العصر ، فيفتح الناس بعد ذلك وينصرفون ، هذا ما كان يصنع في مصر يوم عاشوراء أيام الفاطميين.
وأما ما كان يصنعه آل بويه في بغداد فقد ذكره أرباب التاريخ ، وذكر أبو الفداء في حوادث سنة ثلاثمائة واثنين وخمسين يوم عاشوراء المحرم أمر معزّ الدولة الناس أن يغلقوا دكاكينهم ويظهرون النياحة ، وأن تخرج النساء منشرات الشعور مسودّات الوجوه قد شققن ثيابهنّ ويلطمنّ وجوههنّ على الحسين بن علي عليهالسلام ، ففعل الناس ذلك.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية : وقد أسرفوا في دولة بني بويه في حدود