ففزعوا وارتاعوا ورحلوا من ذلك المنزل ، وجعلوا يجدّون السير إلى أن وافوا ديراً في الطريق ، وفيه راهب ، فنزلوا ليقيلوا به فوجدوا أيضاً مكتوباً على جدرانه أترجوا اُمّة قتلت حسيناً إلى آخره ، فسألوا الراهب عمّن كتب هذا الشعر؟ فقال : هذا ههنا من قبل أن يبعث نبيّكم بخمسمائة عام ، ففزعوا من ذلك ورحلوا على غير الجادة متنكّبين طريق العام خوفاً من قبائل العرب أن يخرجوا عليهم ويأخذوا الرأس منهم.
وكلّما مرّوا على حيّ من الأحياء طلبوا منهم العلوفة ويقولون معنا رأس خارجي ، فلمّا وصلوا إلى تكريت (١) كتبوا الى عامليها بأن يستقبلهم ، فلمّا وصل الكتاب إليه فأمر بالبوقات فضربت والأعلام فنشرت والمدينة فزيّنت ، ودعى الناس من كلّ جانب ومكان من جميع القبائل ، فخرجوا لاستقبالهم ، وكان كل من سألهم يقولون : هذا رأس خارجي خرج علينا بأرض العراق في أرض يقال لها كربلاء ، فقتله الأمير عبيدالله بن زياد (لعنه الله) وأنفذ برأسه معنا الى الشام. ثم رحلوا من تكريت وسارواعلى طريق البر حتى نزلوا بوادي النخلة ، فلمّا كان الليل سمعوا بكاء نساء الجن على الحسين عليهالسلام وهنّ يقلن :
نساء الجن يبكين شجيّات |
|
يسعدن بنوح للنساء الهاشميات |
ويلطموا خدوداً كالدنانير نقيّات |
|
ويندبن حسيناً عظمت تلك الرزيّات |
ثم رحلوا من وادي النخلة وساروا حتى وصلوا إلى لينا (٢) وكانت عامرة بالناس فخرجت المخدرات والكهول والشباب ينظرون إلى رأس الحسين عليهالسلام
__________________
(١) تكريت بلدة مشهورة بين بغداد والموصل ، وهي إلى بغداد أقرب ، قيل سميت بتكريت بنت وائل ، فتحها المسلمون في أيام عمر ابن الخطاب سنة ١٦ هـ.
(٢) لينا ، قال ياقوت : أكبر قرية من كورة بين النهرين التي بين الموصل ونصيبين.