أين أبي الحسين؟ فإنّي رأيته في المنام ، فلمّ سمعن النسوة ذلك جعلن يبكين وبكى معهنّ سائر الأطفال ، وارتفع العويل والصراخ ، فانتبه يزيد من نومه ، وقال : ما الخبر؟ فحقّقوا عن هذا الصراخ وأخبروه أنّ بنتاً للحسين رأت أباها في منامها فانتبهت وهي تطلبه ، فأمرهم أن يذهبوا برأس أبيها إليها ، فلمّا أتوا بالرأس الشريف وجعلوه في حجرها قالت : ما هذا؟ فقيل لها : رأس أبيك الحسين ، ففزعت الطفلة وصاحت : وا أبتاه من ذا خضّبك بدمائك ، يا أبتاه من الذي قطع وريديك ، يا أبتاه من الذي ايتمني على صغر سنّي ، يا أبتاه من لليتيمة حتى تكبر ، يا أبتاه من للنساء الحاسرات والأرامل المسبيّات ، يا أبتاه ليتني لك الفداء ، يا أبتاه ليتني قبل هذا اليوم عميا.
قال الراوي : ثم وضعت فمها على فم أبيها وجعلت تئنّ حتى غشي عليها وسكن أنينها ، فحرّكوها فإذا بها ميتة ، فارتفعت الأصوات وعلا الصراخ من السبايا حتى الصباح ، وأُخبر يزيد بوفاة الطفلة ، فأمر بغسلها وكفنها ودفنها (١).
قال الراوي : ومكثوا في تلك الخربة أيّاماً ، وربما كان السجاد يخرج خاج الخربة ، حتى قال المنهال بن عمر ، كنت أتمشي في أسواق دمشق ، وإذا أنا بعلي ابن الحسين عليهالسلام يمشي ويتوكّأ على عصى في يده ورجلاه كأنّهما قصبتان ، والصفرة قد غلبت عليه ، قال : فخنقتني العبرة لمّا رأيته بتلك الحال ، فقلت له : سيدي كيف أصبحت يابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ قال : (يا منهال وكيف يصبح من كان أسيراً ليزيد بن معاوية ، يا منهال أصبحت العرب تفتخر على العجم بأنّ محمداً
__________________
(١) إن لهذه الطفلة وهي رقية بنت الحسين عليهالسلام مشهد معروف بدمشق الشام وضريح مشهد يزار ، ويتبرك به المسلمون ، في عاصمة الأُموييّن ، وكلّ من يزورها تهيمن عليه الأحزان وتأخذ الكئابة منه مأخذها فيخشع قلبه وتجري دموعه على ضريحها المنوّر.