مغشياً عليه ، فرششت عليه الماء ، فلمّا أفاق صاح : يا حسين يا حسين حتى قالها ثلاثاً ، ثم قال : حبيب لا يجيب حبيبه.
ثم قال : وأنى لك بالجواب وقد شخبت أوداجك على أثباجك (١) ، وفرّق بين رأسك وبدنك ، أشهد أنّك ابن سيّد النبيين ، وابن سيد الوصيين ، وابن حليف التقى وسليل الهدى ، وخامس أصحاب الكساء ، وابن سيد النقباء ، وابن فاطمة الزهراء سيدة النساء ، وكيف لا تكون هكذا وقد غذّتك كفّ سيد المرسلين وربيت في حجور المتقين ، ورضعت من ثدي الإيمان ، وفطمت بالإسلام ، فطبت حيّاً وطبت ميّتاً ، غير أنّ قلوب المؤمنين غير طيّبة لفراقك ، ولا شاكة في حياتك ، فعليك سلام الله ورضوانه ، أشهد أنّك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا.
ثم أجال ببصره نحو القبور ـ قبور الشهداء ـ وقال : السلام عليكم أيتها الأرواح التي حلّت بفناء قبر الحسين عليهالسلام وأناخت برحله ، أشهد أنّكم اقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم الملحدين وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين ، والذي بعث محمداً بالحق لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه.
قال ابن عطية : فقلت لجابر : فكيف تقول ذلك ونحن لم نهبط وادياً ولم نعل جبلاً ولم نضرب بسيف ، والقوم قد فرق بين رؤوسهم وأبدانهم ، واُوتمت أولادهم ، وأرملت أزواجهم؟ فقال لي : يابن عطية سمعت حبيبي رسول الله يقول : من أحب قوماً حشر معهم ، ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم ، والذي بعث محمداً بالحق إنّ نيتي ونية أصحابي على مضى عليه الحسين وأصحابه ،
__________________
(١) الثبج : ما بين الكاهل إلى الظهر. (المنجد)