قال : فخلع الناس يزيد بن معاوية ، وولّوا عليهم عبدالله بن حنظلة الغسيل ، ودخلت سنة ثلاث وستّين ، فأخرج أهل المدينة عثمان بن محمّد بن أبي سفيان ، ومن المدينة من بني اُمية ومواليهم وهم أكثر من ألف رجل ، فلمّا سمع يزيد بن معاوية خرج بعد العتمة ومعه شمعتان شمعة عن يمينه وشمعة عن يساره ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أمّا بعد ، يا أهل الشام فإنّه كتب إليّ عثمان بن محمد أنّ أهل المدينة أخرجوا قومنا من المدينة ، ووالله لإن تقع الخضراء على الغبراء أحبّ إليّ من هذا الخبر ، ثم نزل ، وكان معاوية قد أوصاه ، وقال له : إنّ دهمك أمر عليك بأعور بني مرّة فاستشره ـ يعني مسلم بن عقبة المرّي ـ فأرسل على مسلم بن عقبة المرّي ، وقال له إنّي مرسلك إلى أهل المدينة.
قال أرباب التاريخ : وجهز له ثلاثين ألفا ، وقال له : سر إليهم (١).
قال : وقبل أن يخرج من الشام مرض مسلم بن عقبة ، فدخل عليه يزيد يعوده ، وقال له : قد كنت وجهتك لهذا البعث ، وكان أمير المؤمنين ـ يعني معاوية ـ أوصاني بك وأراك مدفناً وليس فيك سفر. فقال : يا أمير المؤمنين أنشدك الله أن لا تحرمني أجراً ساقه الله إليّ ، انما أنا امرؤ وليس بي بأس ، ثم أمر فحمل على سرير وسار بالجيش حتى وافوا المدينة ، ومرّوا بمكان أرادوا النزول به ، فقال مسلم : ما اسم هذا المكان؟ فقيل له : البتراء. فقال : لا تنزلوا به ، ثم ساروا به حتى نزلوا الحرّة وأحدق الجيش بالمدينة ، فوجدوا أهل المدينة قد خندقوا وأجلسوا الرجال على أفواه الخنادق.
__________________
(١) قال ابن كثير في البداية والنهاية : وقد أخطأ يزيد في أمر مسلم بن عقبة بأباحته المدينة ثلاثة أيام خطأ كبيراً ، فإنه وقع في هذه الأيام الثلاثة من المفاسد العظيمة في المدينة النبوية ما لا يحد ولا يوصف ممّا لا يعلمه إلّا الله عزّوجلّ ، وقد أراد بإرسال مسلم بن عقبة توطيد سلطانه ودوام أيّام فعوقب بنقيض قصده ، فقصمه الله قاصم الجبابرة وأخذه أخذ عزيز مقتدر.