ليبايعه ، فامتنع ابن عباس أشدّ الامتناع ، فبلغ امتناعه يزيد بن معاوية ، فكتب إليه كتاباً يشكره فيه على امتناعه من البيعة لابن الزبير ، ويقول فيه : أمّا بعد فقد بلغني أنّ الملحد ابن الزبير دعاك الى بيعته والدخول في طاعته لتكون له على الباطل ظهيراً ، وفي المآثم شريكا ، وإنّك اعتصمت ببيعتنا وفاءاً منك لنا ، وطاعة لله لما عرّفك من حقّنا ، فجزاك الله عن ذي رحم ما يجزي الواصلين لأرحامهم الموفين بعهودهم ، وإن أنس شيئاً من الأشياء فلست بناس برّك وتعجيل صلتك بالذي أنت له أهل من القرابة من الرسول ، فانظر من طلع عليك من الآفاق ممّن سحرهم ابن الزبير بلسانه ، وزخارف قوله فأعلمهم برأيك فإنّهم منك أسمع ولك أطوع ، من المحلّ للحرم المارق.
ولما ورد على ابن عباس كتاب يزيد ، كتب إليه : أمّا بعد ، فقد جاءني كتابك ، تذكر دعاء ابن الزبير إيّاي إلى بيعته ، والدخول في طاعته ، فإن يكن ذلك كذلك فإنّي والله لا أرجوا بذلك برّك ولا حمدك ، ولكن الله بالذي أنوي به عليم ، وزعمت أنّك غير ناس برّي وتعجيل صلتي ، فاحبس أيها الإنسان برّك وتعجيل صلتك ، فإنّني حابس عنك ودّي ، فلعمري ما تؤتينا مالنا قبلك من حقّنا إلّا اليسير ، وإنّك لتحبس عنا منه العرض الطويل ، وسألت أن أحثّ الناس إليك ، وأن آخذ لهم من ابن الزبير ، فلا ولاء ولا سرور ، ولا حباء ، إنّك تسئلني نصرتك وتحثّني على ودّك وقد قتلت حسيناً عليهالسلام وفتيان عبدالمطلب مصابيح الهدى ونجوم الأعلام ، وغادرتهم خيولك بأمرك في صعيد واحد ، مرمّلين بالدماء مسلوبين بالعراء ، لا مكفّنين ولا موسّدين ، تسفي عليهم الرياح وتنتابهم عرج الضباع ، حتى أتاح الله بقوم لم يشركوا في دمائهم ، واروهم بالتراب ، وجلست مجلسك الذي جلست ، فإن أنس من الأشياء فلست بناس طردك حسيناً عن حرم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى حرم الله ، وتسييرك إليه الرجال لتقتله في الحرم ، فما زلت بذلك وعلى ذلك حتى