نزلنا وهومنا ، ثم ركبنا وصلّينا الصبح ففرّق العسكر ، وبقي معه مائة فارس ، فلقي اعرابيا فقال له : كم بيننا وبين القوم؟ قال : ميل (١) وهذا عسكر شراحبيل بن ذي الكلاع من قبل عبيدالله بن زياد في أربعة آلاف ، ومن ورائهم الحصين بن نمير السكوني في أربعة آلاف ، ومن ورائهم الصلب بن ناجية الغلابي وأربعة آلاف وجمهور العسكر مع عبيدالله بن زياد بالرقة.
قال : فساروا حتى أشرفوا على عسكر الشام ، فقال المسيب لأصحابه : كرّّوا عليهم ، فحمل عليهم عسكر العراق فانهزموا وقتل منهم خلق كثير وغنموا منهم غنيمة عظيمة.
قال : وأمرهم المسيب بالعودة فرجعوا إلى سليمان ووصل الخبر إلى عبيدالله بن زياد فسرّح إليهم الحصين بن نمير وأتبعه بالعساكر حتى نزل في عشرين ألف ، وعسكر العراق يومئذ ثلاثة آلاف ومائة لا غير ، ثم تهيّأت العساكر للحرب ، فكان على ميمنة أهل الشام عبدالله بن الضحاك بن قيس الفهري ، وعلى ميسرتهم مخارق بن ربيعة الغنوي ، وعلى الجناح شراحبيل بن ذي الكلاع الحميري ، وفي القلب الحصين بن نمير السكوني ، ثم جعل أهل العراق على ميمنتهم المسيب بن نجبة الفزاري ، وعلى ميسرتهم عبدالله بن سعد بن نفيل الأزدي ، وعلى الجناح رفاعة بن شداد البجلي ، وعلى القلب الأمير سليمان بن صرد الخزاعي ، ووقف العسكر فنادى أهل الشام : ادخلوا في طاعة عبدالملك بن مروان ، ونادى أهل العراق : سلموا لنا عبيدالله بن زياد ، وأن يخرج الناس من طاعة عبدالملك وآل الزبير ، ويسلم الأمر الى أهل بيت نبيّنا ، فأبى الفريقان وحمل بعضهم الى بعض وجعل سليمان بن صرد يحرضهم على القتال ، ويبشّرهم
__________________
(١) الميل أربعة آلاف ذراع وكل ثلاثة أميال فرسخ.