كذلك حتى بقي نحو من ثلاثين من أصحابه ، فأحاط سليمان بالقبر ، فقال سليمان : الحمدلله الذي لو شاء أكرمنا بالشهادة مع الحسين عليهالسلام ، اللّهمَّ إن حرمتناها معه ، فلا تحرمناها فيه بعده.
قال : ثم إنّ سليمان سار من موضع قبر الحسين عليهالسلام وسرنا معه فأخذنا على الجصاصة ثم على الأنبار ، ثم على الصدود ، ثم على القيارة وجاؤوا يجدّون السير حتى وافوا هيت ، وجاءهم كتاب من عبدالله بن يزيد من الكوفة يحذّرهم المسير ، ويدعوهم إلى اتباع ابن الزبير ، فكتب إليه سليمان :
بسم الله الرحمن الرحيم
للأمير عبدالله بن يزيد من سليمان بن صرد ومن معه من المؤمنين ؛ سلام عليكم
أمّا بعد ... فقد قرأنا كتابك وفهمنا ما نويت ، فنعم والله الوالي ونعم الأمير ، ونعم أخو العشيرة أنت ، والله من نأمنه بالغيب ونستنصحه في المشورة ، ونحمده على كلّ حال إنّا سمعنا الله عزوجل يقول في كتبه : (إِنّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنّ لَهُمُ الْجَنّةَ) إلى قوله : (وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (١) إنّ القوم قد استبشروا ببيعتهم التي بايعوا ، أنّهم قد تابوا من عظيم جرمهم إلى الله وتوكّلوا عليه ، ورضوا بما قضى الله ، (رَبّنَا عَلَيْكَ تَوَكّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (٢) والسلام عليك.
فلمّا أتاه هذا الكتاب قال : استمات القوم أول خبر يأتيكم عنهم قتلهم ، وأيم الله ليقتلنّ كراماً مسلمين ، لا والذي هو ربهم ، لا يقتلهم عدوّهم حتى تشتدّ شوكتهم وتكثر القتلى فيما بينهم.
__________________
(١) سورة التوبة : ١١١.
(٢) سورة الممتحنة : ٤.