قال عبد الرحمن بن غزية : وخرجنا من هيت وانتهينا إلى قرقيسا ، فلمّا دنونا منها وقف سليمان بن صرد فعبأنا تعبئة حسنة حتى مررنا بجانب قرقيسيا فنزلنا قريباً منها وبها زفر بن الحارث الكلابي قد تحصّن بها من القوم ، ولم يخرج إليهم فبعث سليمان المسيب بن نجبة ، فقال : أئت ابن عمّك هذا ، فقل له : فليخرج إلينا سوقا فأنّا لسنا إيّاه نريد ، إنّما صمدنا لهؤلاء المحلّين فخرج المسيب ابن نجبة حتى انتهى إلى باب قرقيسيا ، فقال : افتحوا الباب ممّن تحصنون! فقالوا : من أنت؟ قال : أنا المسيب بن نجبة ، فأتى الهذيل بن زفر إياه ، فقال : هذا رجل حسن الهيأة يستأذن عليك وسألناه من هو ، فقال : المسيب بن نجبة ، قال : وأنا إذ ذلك لا علم لي بالناس ولا أعلم أي الناس هو ، فقال لي أبي : أما تدري أي بني من هذا؟ هذا فارس مضر الحمراء كلّها ، وإذا عدّ من أشرافها عشرة كان أحدهم ، وهو بعد رجل ناسك له دين ، إئذن له.
قال : فأذن له ودخل فأجلسه أبي إلى جانبه وسأله ولا طفه في المسألة ، فقال المسيب بن نجبة : ممّن تحصن ، إنّا والله ما إيّاكم نريد ، وما اعترينا إلى شيء إلّا أن تعيننا على هؤلاء القوم الظلمة المحلّين ، فاخرج لنا سوقاً فإنّا لا نقيم بساحتكم إلّا يوماً أو بعض يوم ، فقال له زفر بن الحارث : إنا لم نغلق هذه الأبواب إلّا لنعلم أيّانا اعتريتم أم غيرنا ، إنّا والله ما بنا عجز من الناس ما لم تدهمنا حيلة ، وما نحبّ أنّا بلينا بقتالكم ، وقد بلغنا عنكم صلاح وسيرة حسنة جميلة ، ثم دعى ابنه فأمره أن يصنع لهم سوقاً ، وأمر المسيب بألف درهم وفرس ، فقال له المسيب : أمّا المال فلا حاجة لي فيه ، والله ما له خرجنا ولا إيّاه طلبنا ، وأمّا الفرس فإني أقبله لعليّ أحتاج إليه إن ظلع فرسي أو غمز تحتي ، فخرج به حتى أتى أصحابه ، وأخرجت لهم السوق فتسوّقوا.
وبعث زفر بن الحارث إلى المسيب بن نجبة بعد اخراج السوق والأعلاف