لكن الأقوى مع ذلك هو إطلاق الصحّة كما هو المشهور ، وذلك لصحيحة محمّد بن قيس الصريحة في ذلك ، حتى في صورة موته في حياة الموصي ، المؤيّدة
______________________________________________________
والذي يدلنا على ذلك أنا لا نرى أي فرق بين جواز قتل القاتل عمداً قصاصاً وجواز قتل الكافر الحربي ، وكذا جواز الفسخ في البيع الخياري وجواز الفسخ في الهبة لغير الرحم ، ومثله اللزوم الحقي كالبيع واللزوم الحكمي كالنكاح.
فإنه لا فرق بين هذه الأحكام من أي جهة من الجهات كانت ، سوى أن الأوّل منها قابل للإسقاط ، سواء بالعفو ، أو إسقاط الخيارات ، أو الإقالة. بخلاف الثاني حيث إن أمره ليس بيد المكلف وليس له إسقاطه ، اتفق مع الطرف الآخر أم لم يتّفق فإنّ النكاح مثلاً لا يرتفع بتواطؤ الزوجين عليه بل لا بدّ من الطلاق ، أو سائر الأسباب الموجبة لرفعه.
والحاصل أن الحق ليس شيئاً وراء الحكم الشرعي التكليفي أو الوضعي وإنما هو هو بعينه ، غاية الأمر أنه متعلق بفعل الإنسان نفسه وقابل للإسقاط من قبله وليس هو مرتبة ضعيفة من الملكية.
فإن قلت : إن الحكم الشرعي كيف يمكن انتقاله إلى الورثة بالإرث.
قلت : إن ذلك لا يختص بما ذكرناه بل يجري على جميع التقادير في الحق ، فإنه بأي معنى كان حتى ولو بمعنى الملكية يختلف عن سائر الأموال في الإرث. فإن الإرث في غيره إنما يكون في المال لا في الملكية التي هي أمر اعتباري ، إذ الذي ينتقل إلى الورثة بعد الديون والوصايا إنما هو أموال الميت بما فيها المنافع والأعمال المملوكة له والتي يعبر عنها في الاصطلاح بـ «ما ترك» حيث يوجد للورثة ملكية جديدة بعد زوال ملكية الميت عنها.
وهذا بخلاف الحق ، فإنه وبعد أن لم يكن من الأعيان الخارجية أو المنافع ، حيث إنه ليس من الموجودات التكوينية من الجواهر أو الأعراض ، وإنما هو محض اعتبار شرعي أو عقلائي على جميع معانيه ، يكون المنتقل إليهم نفس المعتبر بهذا الاعتبار لا محالة.