فى البلاد ، وما يحصلون عليه من المكاسب في رحلة الشتاء في اليمين ورحلة الصيف فى الشام ، ثم يرجعون سالمين غانمين ، فإنهم معاقبون عما قليل ، وهم وإن أمهلوا فإنهم لا يهملون. قال الزجاج : لا يغررك سلامتهم بعد كفرهم ، فإن عاقبتهم الهلاك.
وفي هذا تسلية له صلّى الله عليه وسلم ووعيد لهم.
ثم قال مسليا رسوله على تكذيب من كذبه من قومه ، بأن له أسوة في سلفه الأنبياء ، فإن أقوامهم كذبوهم وما آمن منهم إلا قليل فقال :
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي كذبت قوم نوح والأمم الذين تحزبوا على أنبيائهم بالتكذيب ، فحلّت بهم نقمتنا بعد بلوغ أمدهم كما هى سنتنا فى أمثالهم من المكذبين ، كعاد وثمود ومن بعدهم ، وكانوا في جدلهم على مثل الذي عليه قومك.
(وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ) أي وحرصت كل أمة على تعذيب رسولهم بحبسه وإصابة ما أرادوا منه. وقال قتادة والسدى ليقتلوه ، فقد جاء الأخذ بمعنى الإهلاك في قوله تعالى : «أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ».
(وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ) أي وخاصموا رسولهم بالباطل بإيراد الشبه التي لا حقيقة لها كقولهم : «ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا» ليبطلوا به الحق الذي جاء به من عند الله ، وليطفئوا النور الذي أوتيه ، قال يحيى بن سلام : جادلوا الأنبياء بالشرك ليبطلوا الإيمان.
(فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) أي فأهلكتهم واستأصلت شأفتهم فلم أبق منهم ديّارا ولا نافخ نار وصاروا كأمس الدابر ، وإنكم لتمرون على ديارهم مصبحين وممسين كما قال : «وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ. وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ» وهكذا سأفعل بقومك إن هم أصروا على الكفر والجدل في آيات الله ، وإلى ذلك أشار بقوله :
(وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ) أي وكما حق على الأمم التي كذبت رسلها ، وقصصت عليك خبرها أن يحل بها عقابى ـ وجبت