ومنها (سادس عشر) أن قصة يوسف إنما تشير إلى أن المصريين ، ربما كانوا يعيشون في حرية شخصية إلى حد ما ، حتى مع نفس الملك القابض على السلطة في مصر ، وإن هذا الملك قد قبل أن يأمر بشيء في حق عبد دخيل ، فيأبى عليه ذلك العبد امتثال أمره ، إلا بعد إجراء التحقيق ، مع أنه يمكنه الجمع بين امتثال إرادة الملك وأجراء التحقيق ، بأن يبادر يوسف بالخروج من السجن ، ثم يطلب من الملك التحقيق في قضيته (١).
ومنها (سابع عشر) إن التوراة لم تشر إطلاقا إلى قيام يوسف ـ عليهالسلام ـ بدعوة التوحيد ، بعكس القرآن الكريم الذي يشير إلى أن الصديق قد انتهز الثقة المكينة التي اكتسبها بين السجناء ، بسبب تفسير الرؤيا وتأويل الأحلام ، فيقوم بدعوته الدينية ، شارحا عقيدة الأنبياء جميعا في وحدانية الله الخالق العظيم. وهاتفا بمستمعيه (٢) ، (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ ، وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ، ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ، ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ، يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ، ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ، إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٣) ، وذلك لأن يوسف لم يكن عالما يؤول الرؤيا فحسب ، بل كان رسولا مصلحا ، فما كان يرى فرصة يتنفس فيها برسالته إلا انتهزها ، ولا نهزة صالحة للدعوة إلا علق بها (٤) ، ولهذا فإن الإشارة إلى
__________________
(١) مؤتمر تفسير سورة يوسف ٢ / ٨٣٩.
(٢) محمد رجب البيومي : البيان القرآني ص ٢٢٥ عبد الوهاب النجار : قصص الأنبياء ص ١٤٠.
(٣) سورة يوسف : آية ٣٧ ـ ٤٠.
(٤) محمد أحمد جاد المولي وآخرون : قصص القرآن ص ١٠٣.