في التوراة سابق لاتخاذ العبريين كلمة النبي بدلا كلمة الرائي والناظر ، وتلمذة موسى لنبي شعيب مذكورة في التوراة قبل سائر النبوات الإسرائيلية ، وموسى الكليم ، ولا ريب ، رائد النبوة الكبرى بين بني إسرائيل.
ثم إن كلمة «النبي» عربية لفظا ومعنى ، عربية لفظا ، لأن المعنى الذي تؤديه لا تجمعه كلمة واحدة في اللغات الأخرى ، فهي تجمع معاني الكشف والوحي والإنباء بالغيب والإنذار والتبشير ، وهي معاني متفرقة تؤديها في اللغات الحديثة بكلمات متعددة ، فالكشف مثلا تؤديه في اللغة الإنجليزية كلمة (Revelation) ، والوحي تؤديه كلمة (Inspiration) واستطلاع الغيب تؤديه كلمة (Divination) أو (Oraclc) ولا تجتمع كلها في معنى «النبوة» كما تجتمع في هذه الكلمة باللغة العربية.
وقد وجدت كلمة «النبوة» في اللغة العربية غير مستعارة من معنى آخر ، لأن اللغة العربية غنية بكلمات العرافة والعيافة والكهانة وما إليها من الكلمات التي لا تلتبس في اللسان العربي بمعنى النبوة ، كما تلتبس في الألسنة الأخرى عن أصل التسمية واشتقاق المعاني الجديدة عن الألفاظ القديمة ، فكلمة «النبي» تدل على معنى واحد لا تدل على غيره ، خلافا لأمثالها من الكلمات في كثير من اللغات.
وقد استعار العبريون كلمة «النبي» من العرب في شمال شبه الجزيرة العربية بعد اتصالهم بها ، لأنهم كانوا يسمون الأنبياء الأقدمين بالآباء ، وكانوا يسمون المطلع على الغيب بعد ذلك باسم الرائي أو الناظر ، ولم يفهموا من كلمة «النبوة» في مبدأ الأمر ، إلا معنى الإنذار (١).
وأما كلمة (Prophet) الإنجليزية وكلمة (Prophete) الفرنسية ، وكلمة (Profeten) الألمانية وغيرها ، فإنها منقولة عن اليونانية القديمة ، ذلك أن
__________________
(١) عباس العقاد : إبراهيم أو الأنبياء ص ١٥٩.