وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (١). وأما كيف عرف يوسف أن رائحته سترد على أبيه بصره الكليل ، فلقد سبق أن أشرنا أن ذلك مما علمه الله والمفاجأة تصنع في كثير من الحالات فعل الخارقة ، وما لها لا تكون خارقة ، ويوسف نبي رسول ، ويعقوب نبي رسول (٢).
وأخيرا فإن القرآن الكريم إنما يختم قصة يوسف عليهالسلام ، بقول الله تعالى : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) ، أي ذلك الذي أخبرناك عنه يا محمد من أمر يوسف وقصته من الأخبار المغيبة التي لم تكن تعلمها قبل الوحي ، وإنما نعلمك نحن بها على أبلغ وجه ، وأدق تصوير ، ليظهر صدقك في دعوى الرسالة (٣).
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن التوراة إنما قد انفردت ، من دون القرآن الكريم ، بأمور ، تتفق في بعضها وخلق يهود ، وتبتعد في بعضها الآخر عن الحقائق التاريخية ، ومن هذه الأمور (أولا) أن التوراة في عرضها لقصة يوسف الصديق ، عليهالسلام ـ بعكس القرآن الكريم ـ إنما تعطي تأكيدا يكشف عن مطامع يهود في مصر ، ولنقرأ هذا النص «خذوا أباكم وبيوتكم وتعالوا إليّ فأعطيكم خيرات أرض مصر ، وتأكلون دسم الأرض ... خذوا لكم من أرض مصر عجلات لأولادكم ونسائكم واحملوا أباكم وتعالوا ، ولا تحزن عيونكم على أثاثكم ، لأن خيرات جميع أرض مصر لكم» (٤) ، كما لم تهمل التوراة كذلك أن تؤكد أن رحلة هؤلاء المجهدين
__________________
(١) سورة يوسف : آية ٩٣ ـ ٩٦.
(٢) في ظلال القرآن ٤ / ٢٠٢٧.
(٣) سورة يوسف : آية ١٠٢ ، صفوة التفاسير ٢ / ٦٩.
(٤) تكوين ٤٥ : ١٨ ـ ٢٠.