هذا فضلا عن أن الإسرائيليين لم يكونوا في مصر ـ في غالب الأحايين ـ إلا مجرد رعاة أغنام ، وأن المصريين إنما هم أصحاب البلد الأصلاء هم المالكون للسلطة والقوة والثروة في البلاد ، ومن ثم يبدو واضحا مدى المبالغة في نص التوراة الذي يصف الإسرائيليين بأنهم «شعب أكثر وأعظم» من المصريين ، وليس أدل على ذلك من الاضطهاد الذي تقول به التوراة ، وتحاول تبريره بمثل هذه الحجج الواهية ، وإلا فخبرني بربك : كيف يضطهد الأقل الأكثر ، والأذل الأعز ، والأضعف الأقوى؟.
وأما قول التوراة ، أنه «إذ حدثت حرب أنهم ينضمون إلى أعدائنا ويحاربوننا ويصعدون من الأرض» ، فلعل هنا موطن السر ، ولعل من كتبوا هذه النصوص في التوراة قد أشاروا إلى موطن الداء ، دون أن يدروا ، وهو عدم ثقة المصريين في بني إسرائيل ، وخشيتهم من أن يكونوا حربا عليهم ، إن طمع فيهم غاز لئيم ، أو أراد معتد أثيم أن يدنس أرضهم ، ولعل لهم من عهد الهكسوس ذكريات لا تضع الإسرائيليين فوق مستوى الشبهات ، بل إنهم ـ كما يقول الدكتور الحاخام أبشتين (١) ـ كانوا متهمين بالتعاطف مع الهكسوس ، وأقرباء نائب الملك السابق ، أو وزير تموينه على الأصح.
وهكذا يبدو واضحا ـ وبنص التوراة نفسها ـ أن سبب الاضطهاد من أقوى الأسباب التي تخيف منهم أمة متحضرة كمصر ، وملكا مهيبا كفرعون ، وهو انعدام ولائهم للبلاد التي يعيشون فيها ، واستعدادهم للانضمام إلى أعدائهم وشن الحرب عليها (٢) ، حتى وقع في خلد فرعون وآله أنهم طابور خامس ، وربما كان ذلك ـ فيما يرى سير ليونارد وولي ـ انعكاسا للكراهية القومية للهكسوس المحتلين التي رأت في العبرانيين ظلالهم (٣).
__________________
(١) ١٥ I.Epstein ,Judaism ,p ..
(٢) حسن ظاظا : الصهيونية العالمية وإسرائيل ، القاهرة ١٩٧١ م ص ٤.
(٣) ٤٩٥. L.Woolley ,op ـ cit ,p.