هذا فضلا عن أن الشعب المصري لم يكن ينظر بارتياح إلى الإسرائيليين منذ أول يوم عرفهم فيه (١) ، ثم تحول هذا الشعور إلى كره ومقت ، حين رآهم أجراء أذلاء يستخدمهم الهكسوس الغزاة في أعمالهم ، ثم تحولت به الكراهية إلى احتقار وازدراء ، بخاصة وأنهم كانوا منذ البداية يعتبرون الأكل معهم نجاسة ، ثم رحل الغزاة من أرض مصر ، فبقي هؤلاء الأذناب ليلعبوا دور الذئاب ، وكان من رعمسيس ما كان مع هؤلاء الجواسيس (٢).
وهنا لنا أن نتساءل هل كان هناك حقا استعباد من المصريين للإسرائيليين؟ أم أن الأمر لا يعدو أن الإسرائيليين قد اعتادوا الدعة والرخاء منذ أيام يوسف ، فلما تغيرت الحال نوعا ، ورأى الفراعين ضرورة اشتراك اليهود فيما كان يبذل في البلاد من جهود نحو التنمية في الزراعة. وأعمال البناء وتشييد التماثيل والمعابد وما إلى ذلك ، عدوا ذلك عننا لا يطيقون احتماله وبدءوا يتذمرون (٣)؟
وإذا ما أردنا أن نصل إلى الحقيقة ، أو حتى أن نقترب منها ، فعلينا أن نتذكر أن مصر ، إحدى الدول التي لم تعرف السخرة والاستعباد قبل عهد الدولة الحديثة ، حين كان الأسرى يدفعون إلى العمل فيستعبدون عن هذا الطريق ، ولم يقل أحد من العلماء أن الإسرائيليين دخلوا مصر كأسرى حرب ، ومن ثم استعبدهم المصريون ، هذا فضلا عن أن التوراة إنما تذكر صراحة أن الفرعون إنما كان ينظر إليهم ـ حتى في أوقات الشغب ـ وكأنهم من الشعب ليسوا مجموعة من العبيد ـ أو حتى المستعبدين ـ ، تقول التوراة :
__________________
(١) تكوين ٤٣ : ٣٢.
(٢) عبد الرحيم فودة : من معاني القرآن ص ١٧٧ ـ ١٧٨.
(٣) صبري جرجس : التراث اليهودي الصهيوني ، القاهرة ١٩٧٠ م ص ٢٥.