قرون ، ربما تجاوزت الأربعة ، حتى ينسى الإسرائيليون خلالها دعوة التوحيد ، التي نادى بها الآباء من أنبياء الله الكرام ، إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف عليهمالسلام ، وينغمسون في وثنية المصريين ، ويتعبدون لآلهتهم (١).
ومنها (سابعا) أن سيرة بني إسرائيل مع موسى عليهالسلام ، لا تدل أبدا أنهم كانوا موحدين على أيام الاضطهاد فمن المعروف أنه ما أن كتب الله النصر لموسى على فرعون ، ونجح في الخروج بقومه من قبضته ، حتى عاد بنو إسرائيل إلى الوثنية ، وعبادة الأصنام ، وفي الواقع فإن التراث الديني اليهودي ليزخر بأدلة لا تقبل الشك ، على أن اليهود الذين رافقوا موسى لم يكونوا أكفاء لحمل عبء التوحيد وفلسفته التجريدية الروحية الرفيعة ، ولم يجدوا فيما تقدمه الديانة الجديدة ما يشبع حاجتهم إلى الاعتبارات المادية ، بل إنه لا يفهم من حادث واحد من حوادث رحلة الخروج أن القوم كانوا يؤثرون الفرار حرصا على عقيدة دينية ، فإنهم أسفوا على ما تعودوه من المراسيم الدينية في مصر ، وودوا لو أنهم يعودون إليها ، ويعبدونها مسوخة ممسوخة في الصحراء (٢) ، ومن ثم فلم يكد بنو إسرائيل يمضون مع موسى عليهالسلام ، بعد خروجهم من البحر ، ونجاتهم من آل فرعون ، حتى رأوا قوما يعبدون أصناما لهم ، فنسوا كل ما كانوا يذكرونه من آيات الله ، ونجاتهم مع موسى ، وقالوا ما حكاه القرآن في قوله تعالى : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ ، قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ ، قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ، إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٣) ، والفاء في قوله تعالى : (فَأَتَوْا) تفيد ، كما هو معروف ،
__________________
(١) خروج ١٢ / ٤٠ ، حزقيال ٢٠ / ٤ ـ ٨.
(٢) عباس العقاد : مطلع النور أو طوالع البعثة المحمدية ـ القاهرة ١٩٦٨ ص ١٠٧.
(٣) سورة الأعراف : آية ١٣٨ ـ ١٣٩.