الترتيب والتعقيب ، ومعنى ذلك أنه لم يمضي وقت بعد خروجهم من البحر ، ونجاتهم من الهلاك ، حتى عادوا إلى الوثنية التي ألفوها ، وألفوا الذل معها ، وهذا يدل على أن الإيمان لم يخالط بشاشة قلوبهم ، ولم يتمكن من ضمائرهم ومشاعرهم ، ولم يثمر فيهم الثمرة الطيبة لكل شجرة طيبة ، وإنما كان إيمانهم بموسى إيمانا بإمامته وزعامته ، لا إيمانا بالذي خلقه وسواه (١).
وهكذا لم يمضي وقت طويل حتى كانت الردة الثانية ، بعد فشل الأولى ، ممثلة في العجل الذي عبدوه ، والتي تحدثت عنها التوراة (٢) ، كما تحدث عنها القرآن (٣) ، وليس هناك من شك في أن هذا من تأثير الديانة المصرية على بني إسرائيل ، ذلك أن عبادة العجل في مصر إنما هي جد عميقة الجذور ، ترجع إلى أيام اسرة الأولى (٤) ، وهكذا بقيت الوثنية راسخة في قلوب بني إسرائيل ، حتى بعد انغلاق البحر لهم ، وحتى بعد أن جاوزوه على يبس ، وحتى بعد أن منّ الله عليهم بالمن والسلوى ، وحتى بعد أن استقوا موسى فضرب الحجر بعصاه فانبجست منه اثنتا عشرة عينا ، لكل سبط من أسباطهم مشربه ، وحتى بعد أن نزلت عليهم شريعته تحذرهم من اتخاذ آلهة غير الله ، حتى بعد هذا كله ، ومع وجود موسى نبيّهم بين ظهرانيهم ، فإنهم سرعان ما زاغوا عن الطريق المستقيم ، وكفروا بالله الواحد الأحد «وصنعوا لهم عجلا مسبوكا وسجدوا له وذبحوا وقالوا : «هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر (٥)» ، وهذا ما سوف يفعلونه في دويلة إسرائيل على
__________________
(١) عبد الرحيم قودة : من معارف القرآن ص ١٩٣ ـ ١٩٤.
(٢) خروج ٣٢ / ١ ـ ٢٨.
(٣) سورة البقرة : آية ٥١ ، ٥٤ ، ٩٢ ، ٩٣ ، سورة النساء : آية ١٥٣ ، سورة الأعراف : آية ١٤٨ ـ ١٥٢ ، سورة طه : آية ٨٣ ـ ٩٨.
(٤) ١٢٤.p ، ١٩٦٣. W.B.Emery ,Archaic Egypt ,
(٥) خروج ٣٢ / ٨.