أمة أعماها الجهل ، لحمل رسالة التوحيد ، ويحميه بالحب الذي يطغى على كوا من الشر وغوائل الأحقاد (١).
ويأتي آل فرعون لموسى بالمراضع فيعافهن جميعا ، وهنا تتقدم أخته فتعرض على آل فرعون أن تدعو لهم امرأة عبرانية ترضعه وتكفله ، وأن تكون له ناصحة مشفقة ، ويقبل آل فرعون عرضها ، ويبعثوا في طلب الظئر ، وسرعان ما تجيء بأمه ، دون أن تشعرهم بأن أمها أمه ، وهو أخوها ، ويقبل موسى على ثدي أمه ، وهنا تذهب المراجع الإسلامية إلى أن فرعون عند ما رأى ذلك ، سألها : من أنت منه؟ فقد أبى كل ثدي إلا ثديك ، فقالت : إني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن ، لا أوتي بصبي إلا قبلني ، فدفعه إليها وأجرى عليها ، وذهبت به إلى بيتها ، وأنجز الله وعده في الرد ، فعندها ثبت واستقر في علمها أنه سيكون نبيا ، وهكذا عاد موسى إلى أمه ليعيش معها فترة حضانته (٢) ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ ، فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٣).
ولعل في هذا ما يشير إلى أن حال بني إسرائيل في مصر لم يكن شرا كله ، ولا نكرا ، إن أبدوا استعدادا للعيش في المجتمع والتعاون بين بنيه ، وقد كانوا ، كما قال سبحانه وتعالى : (طائِفَةٌ مِنْهُمْ) ، ولم يكونوا بالطائفة المنبوذة التي لا يتعامل معها الناس ، أو ينفر منها الملوك ، بل لقد كان ساقي «مرنبتاح» فرعون موسى ، فيما نرجح ، رجلا يحمل اسما لا شك في صيغته
__________________
(١) أحمد عبد الحميد يوسف : المرجع السابق ص ٨٩.
(٢) تفسير النسفي ٣ / ٢٢٨ ـ ٢٢٩ ، خروج ٢ / ٧ ـ ١٠.
(٣) سورة القصص : آية ١٢ ـ ١٣.